كثيراً ما تلح على الخاطر ذكريات تلك الأيام والسنين الخوالي في مراحل الحياة الأولى، ولعل هذا المقال يتحدث عن بعضها، لعلها تحرك مكامن الذكرى لدى من عاشها بحلوها ومرها، مع ما تحمله من رسائل متعددة لمن يهمه الأمر. قد لا تكون حياتنا الماضية في تلك الأيام الخوالي أفضل حالا من حياتنا الحاضرة أو أكثر منها راحة، ولكنها بالتأكيد أكثر سعادة ومرحاً، لم نكن نملك أيا من وسائل الترفيه الحالية من تلفزيون أو هواتف نقالة أو كمبيوترات أو غيرها، بل كنا نخترع ألعابنا ونمارسها من الصباح حتى نزول الليل دون خوف من تلك المخلوقات الخرافية التي يخترعها أهلنا ليخيفونا بها، مثل أم السعف والليف والطنطل وحمارة القايلة وغيرها. لا نكاد نفترق عن تلك الصحبة الطيبة حتى نشتاق إليهم، من أمثال الإخوة عبداللطيف الرقم، وعبدالله وعبدالوهاب المزيني، وعبدالرحمن النمش، وعبدالمحسن الخلفان، والفنان المبدع المرحوم غانم الصالح ويوسف المضيان، وغيرهم من إخوة كرام نعتذر إن كان غاب عن الخاطر بعضهم، كانت البيوت مفتوحة كما القلوب تربطها المودة والمحبة والفزعة، وما زال ذلك البيت الصغير المتواضع في "فريج" المرقاب مرسوما بخاطري بكل تفاصيله. فعندما تدخل من الباب "بوخوخة" إلى الدهليز تجد على اليسار "الجليب"، وعلى اليمين غرفة جزء منها يستخدم للنوم والجزء الآخر للضيافة، حيث يتوسطها "الايواق" وقد اصطفت حول الفحم قواري الشاي بالزعفران وشاي الحليب المهيل، ثم دلة القهوة المرة والحلوة، وبجانب الايواق اصطفت طاسات الرهش والحلوى والغريبة والزلابية وقرص عقيلي وطاسة الخبز. وعندما يأتي المساء نستعد لاستقبال جدي حسين الخضري، رحمه الله، بعد عودته من صلاة العشاء في مسجد "الفضالة"، لم تكن السكيك مضاءة أو معبدة ولكنها نظيفة، الجميع يذهب للمسجد لأداء الصلوات في أوقاتها، لم تكن هناك هيئات أو جماعات أو أحزاب تتخذ من الدين وسيلة لتحقيق أهداف معينة ومرسومة. كم هو رائع ذلك الفريج، فعلى يمين بيتنا توجد "سكة سد"، حيث يوجد بيت علي وسالم أمان ثم منزل محمد القوبع، وعلى يسار منزلنا يوجد منزل عبدالرحمن المزيني، ثم بيت القندي وبيت العيسى، وفي الجهة المقابلة يوجد بيت المسباح وبيت يوسف النجدي أستاذ البناء، وتستمر بيوت أهل الكويت بيت العتيقي وبيت الفريحي، وفي المقابل بيوت المزيني والرقم وبيت البدر، وبيوت الفهد حتى الوصول إلى مسجد "الفضالة". ويا لها من أوقات سعيدة عندما نقوم بتنظيف المسجد وتعبئة "القرو" خزان الماء وخدمة المصلين، لا قتلهم بأحزمة ناسفة أو سيارات مفخخة، وعندما يحل شهر رمضان المبارك تتحول ساحات المسجد إلى موائد الرحمن بكل أنواع الطعام، وكان هناك تسابق في عمل الخير، كانت النفوس عامرة بالإيمان والقلوب كبيرة، والاحترام والتقدير هما السائدان بين الجميع، فأين نحن الآن وقد غدا جل الحديث في البحث في أعراض الناس وذممهم والتسابق في الغيبة والنميمة. إن الحديث عن ذكريات تلك الأيام ذو شجون، ويحرك المشاعر ويلامس الروح، ولنا عودة لتكملة هذا المقال. حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه. محمد بن راشد شخصية إماراتية فذة تخطى حاجز بلده إلى منطقة الخليج، ثم تجاوزها إلى العالمية، فغدا رمزا للنجاح، واستطاع أن يمحو من قاموس بلاده كلمة "مستحيل"، فغدت دبي عاصمة الدنيا، لقد زرت مدينة دبي عام 1972 ثم زرتها منذ أسابيع، ولا أريد أن أتحدث عن التغيير الذي حدث، فتلك سنّة الحياة، ولكني وجدت مدينة أخرى، فماذا عسانا نقول، فالقلم لن يفيها حقها كحال أميرها محمد بن راشد، ففي اعتقادي أن المديح والكلمات والشعر لن تفي الرجل حقه، فيكفي أن نقول "محمد بن راشد" وكفى.