النسخة: الورقية - دولي بعد حكم ديموقراطي تعددي قصير الأمد خلال عهد الجمهورية الأولى في خمسينات القرن الماضي، تسلّم حزب البعث السلطة في سورية في انقلاب عسكري عرف باسم «ثورة الثامن من آذار» 1963. ثم قام انقلاب عسكري آخر حمل اسم «الحركة التصحيحية» التي أوصلت وزير الدفاع حافظ الأسد إلى سدة الحكم عبر دستور أعطاه صلاحيات واسعة، كالمادة الثامنة التي نصت على أن يكون حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع، ما أدى الى غياب الحريات السياسية والاقتصادية والمنظمات المدنية. ثم انطلقت عام 1979 احتجاجات عرفت باسم احتجاجات النقابات العمالية ما لبثت أن تحولت صداماً عسكرياً امتد حتى عام 1982. توفي حافظ الأسد، وورث عرش الجمهورية ابنه بشار في 10 تموز (يوليو) 2000، بعد تعديل دستوري، وظل الشعب صامتاً، لكنه أمل أن ينقل الرئيس الجديد البلاد إلى مرحلة عنوانها التعددية السياسية، فكان ربيع دمشق قبل أن تعرف البلدان المجاورة ربيعها العربي، ثم سرعان ما انتهت هذه المرحلة باعتقال أغلب رموزها أو نفيهم خارج البلاد. لكن الاحتقان الشعبي لا يزال على أشدّه منذ تلك الأيام، حيث شهدت السويداء احتجاجات ضد النظام في عام 2001 ثم شهدت الحسكة والقامشلي تحركات شعبية كان قوامها الأكراد في سورية، لكن الجيش تولى عملية قمع التحركين بالأسلحة الثقيلة. طوال السنوات الـ 11 التي قضاها بشار الأسد في السلطة، تم الحفاظ على النظام كما هو من ناحية دور حزب البعث وتسلط العائلة الحاكمة وأقاربها على المفاصل الحساسة للدولة، واستمر سريان قانون الطوارئ واعتقال المعارضة وتسلط الأجهزة الأمنية، والرقابة على الاتصالات واحتكار الإعلام ومنع التظاهر، فضلاً عن الاعتقال التعسفي والمحاكمات العسكرية، حتى صنفت هيومن رايتس ووتش سورية في المركز 154 عالمياً. وفي ظل ثورات جارات سورية، في ما بات يعرف بـ «الربيع العربي»، من تونس إلى مصر إلى اليمن وليبيا، وفي ظل الاحتقان الشعبي الذي بلغ ذروته، بعد تصريح لبشار الأسد في أول شباط (فبراير) 2011، قال فيه إن لا مجال لحدوث تظاهرات في سورية لأنه لا يسودها أي سخط على النظام الحاكم، انطلقت دعوة عبر «فايسبوك» إلى التظاهر، إلا أن الأمن السوري واجه المتظاهرين وسلّط عليهم الشبيحة. وفي 17 شباط تجمهر بعض التجار والمارة وأغلقوا سوق الحميدية، وردد المتظاهرون: «الشعب السوري ما بينذل»، ثم ما لبثت أن دخلت الشبيحة وتوغلت بين المتظاهرين ورفعت شعار» الله سورية بشار وبس...». واستمر الاحتقان سائداً، لكن من دون جدوى، فكلما أُطلقت صيحة هنا أو هناك، سرعان ما كانت تُخمد. ثم وجّه ناشطون عبر «فايسبوك» دعوة إلى التظاهر في آذار 2011، فخرجت تظاهرات من الجامع الأموي ضمت العشرات، إلا أنها فُضّت بشدة، وتكرر الأمر في اليوم التالي أمام وزارة الداخلية في ساحة المرجة. في هذه الأثناء، كان الاحتقان الشعبي، وفي درعا تحديداً، على أشدّه، إثر تعنت أجهزة الأمن السوري في إطلاق سراح أطفال درعا الذين اعتقلوا بعد كتابة شعارات مناهضة للنظام على جدران إحدى مدارس درعا، فخرجت تظاهرات في 18 آذار في كل من درعا وحمص وبانياس، واجهها رجال الأمن بإطلاق النار في درعا، وبالتفريق والاعتقال في المناطق الأخرى. وارتقى أول شهيدين على درب الثورة هما حسام عياش ومحمود الجوابرة. وبعدما سالت الدماء، كسر الشعب حاجز الخوف واستمرت درعا بمدنها وقراها بالتظاهر السلمي وحدها، طوال أسبوع كامل دفعت فيه حوالى 150 شهيداً. وانتقلت التظاهرات السلمية إلى عموم المناطق السورية، لا سيما في حمص وحماة وريف دمشق وغيرها، ثم ما لبثت أن تحولت إلى عمل عسكري نظراً الى شراسة النظام في تعامله مع مناطق الاحتجاجات. الآن، وبعد مئات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين وملايين المهجرين، تدخل الثورة السورية عامها الرابع ولا يزال الشعب مصراً على شعار: «الموت ولا المذلة»، في حين تحافظ أجهزة الأمن وجيش النظام والميليشيات الطائفية التي جاءت تقاتل في صفه على مقولة: «الأسد أو نحرق البلد».