قلتُ ذات قصيدة: ( نهرٌ من الأشجار في رأسي.. وفي عيني الحديقة حيث أطفالي اليتامى يسألون ظلالهم عني.. لا شيء يجمعني بهم إن مت إلا القبرُ لكني أعيش على فتات الحلم أسماءً مؤجّلة وجيرانًا من الغرباء يستحيون طيبتنا.. أنا المأخوذ بالمرئيّ والمسموع والمقروء والمسكون بالبحر البعيد.. نوارس الميناءِ تعرفني وينكرني السؤال.. كن ماتريد.. إذا أجبت.. أنفقتُ أحلامي على حزنيْ.. ثم اقترضتُ من الحكاية بعض ما أرويه في ليل النساءْ ..! ماذا لديك ؟ حلوى من الكلماتِ .. بعض فطائر الكتب التي نُسِخَتْ كثيرًا قبل يوم الطبع... ماذا تريدْ..؟ لاشيء إلا ما أريد..! ) *** قلتُ هذا ومضيت أتمتم ( كل ليلٍ موعود بالصباح ولو على سبيل الاحتمال أيها الأصدقاء ) لا زمن للشعر إلا أن يكون لكل الزمن.. ولا حصر للقصيدة إلا أن تكون شائعة كا العطر ورائجة كالنميمة وخالدة كالمحال .. هي نافذة الغد وشمس الأمس وضمير الحاضر.. تتقلب الأيام والأحداث على يديها وتبقى على مرمى حنين واستجابة نداء.. لا أعرف كيف يكون الشعر هذا الفضاء المتسع لبكائياتنا منذ وقوف جدنا امرئ القيس بطل محبوبته التي لانعرف عنها أكثر من أن شيخنا الكبير استوقفنا للبكاء على أطلالها.. ولا نعرف عن ليلى قيس إلا أنها الفتنة التي أخذت بعقل من الملوح حتى ذلك العظيم المتنبي لانعرف عن نبواءاته إلا أنه الحاضر فينا لكل رأي حكيم أو المشتعل بنرجسيته حد الموت.. هو هكذا الشعر لايكتفي بزمن واحد كي يسلبه منه فن آخر.. بل إن الحقيقة تشي بعكس هذا بالفعل فالذين يؤكدون على أن هذا الزمن هو زمن الرواية يتجاهلون تجربة ثرية جداً كتجربة أحلام مستغانمي مثلا أو حتى تجربة روائي عظيم كواسيني الأعرج وهي القائمة على اللغة الشعرية الخالصة أي أنها تكاد تكون منجزا شعريا لاروائيا في آخر الأمر ... هكذا أيها الأصدقاء يذهب الشعراء وتبقى قصائدهم غاية الاستدعاء وحبيباتهم عرضة للمحاكاة وأسماؤهم أولى بالتذاكُر، وتاريخهم أشهى للتدارس.. شمسهم لا يدركها الليل ولا ينام عنها الصباح، ثوابهم الحضور وعقوبتهم التقلّب بين يدي المواجع.. وفي آخر الأمر يموتون طويلاً ليعيشوا أطول من موتهم..