اتجهت القوات العراقية بثبات وإصرار نحو وسط مدينة الموصل لتحريره من تنظيم «داعش»، الذي يصر على تدمير المدينة كلها، متحصناً بأحيائها السكنية، ومتخذاً عشرات الآلاف من سكانها رهائن في حكم إعدام جماعي، يحاول آلاف الأشخاص الإفلات منه رغم الظروف المأساوية. تقدمت القوات العراقية مرة أخرى في عمق الجزء الغربي من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، شمال العراق بعد توقف بسبب الامطار واحوال الطقس، في إشارة الى انه «لا شيء سيوقف عملية إنهاء داعش». واقتحمت القوات أربعة أحياء جديدة في الساحل الأيمن من الموصل، متجهة الى الوسط التاريخي للمدينة، الأكثر اكتظاظا بالسكان والذي يعد الأخطر، اذ يعتقد ان «داعش» يتمركز فيه. وقال بيان لخلية «الإعلام الحربي» عن قائد عمليات «قادمون يا نينوى» الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله إن «قوات الشرطة الاتحادية وفرقة الرد السريع تقتحمان حي الدندان وحي الدواسة ولايزال التقدم مستمرا». وفي بيان آخر، أكد يارالله أن «قوات جهاز مكافحة الإرهاب تقتحم حي الصمود وحي تل الرمان». بدوره، أكد قائد قوات الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، أن قواته «تقتحم حي الدواسة، حيث المباني الحكومية وسط الموصل، بإسناد قصف مدفعي وصاروخي مكثف» ويضم حي الدواسة مباني حكومية مهمة بينها مجلس محافظة نينوى. وأضاف جودت أن قوات أخرى من الشرطة الاتحادية تشن عملية لاقتحام حي النبي شيث، مشيرا إلى أن عشرات الأمتار تفصل قواته عن المجمع الحكومي في مدينة الموصل، مؤكداً أن استعادة المجمع الحكومي سيحسم 80 في المئة من هذه المعركة. مشاركة أميركية وذكر شهود عيان أن عناصر القوات الخاصة الأميركية بدأوا يعملون على الأرض بشكل اكبر «كتفا الى كتف» مع القوات العراقية. وبالفعل نشرت الصفحات العراقية أمس صورا لجنود أميركيين يشاركون في القتال البري ضد «داعش» بالاضافة الى الغطاء الجوي للطائرات الحربية والمروحيات الأميركية، وأيضا المدفعية الفرنسية. نزوح مأساوي وفي مشهد لم يسجل خلال أي معركة سابقة في العراق، يسير الأطفال مع امهاتهم داخل ازقة الموصل القديمة المهدمة هاربين من حرب الشوارع والقصف العنيف الذي لم تجربه المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في مواجهات المدن الصغيرة، وتظهر مقاطع فيديو كيف يجرجر الجرحى انفسهم بصعوبة ممسكين بضمادات بدائية حول إصاباتهم في الخصر او الأطراف والرأس، بينما تغوص ارجلهم في الوحل وينهمر على رؤوسهم العارية المطر، ضمن محاولة تكررها كل يوم مئات العوائل بهدف الوصول الى الاحياء المحررة جنوب الموصل. ويقف جنود من قوات النخبة يراقبون طوابير النازحين بشفقة وخوف أيضا، يفتحون لهم ما يعرف بالممرات الامنة ويأمرون كبار السن بخلع ملابسهم للتاكد من عدم ارتدائهم احزمة ناسفة او حملهم متفجرات، بعد ان قام «داعش» بقسوة بالغة، بدس انتحاريين ضمن بعض قوافل النزوح، نجحوا في استهداف الجيش. وتشير التقارير العسكرية الى ان عددا يصعب احصاؤه من الاهالي، يسقطون قتلى اثناء محاولتهم الخروج من مناطق الاشتباك، بينما يملأ غبار المباني المهدمة والانفجارات المتوالية، وجوه وملابس الناجين الذين يقطعون أحيانا مسافة ٣٠ كيلومترا يمرون خلالها بجيوش متنوعة و»نقاط تدقيق أمني» عديدة. لكن خروج الاهالي من مناطق الحرب لا يعني انتهاء معاناتهم حيث ستبدأ أزمات جديدة داخل المخيمات جنوب الموصل والتي بدأت تزدحم فوق طاقتها حسب الامم المتحدة، لا بالعوائل الهاربة من الحرب فقط، بل ان هناك قرى آمنة بدأ أهلها يلجأون الى المخيمات كذلك طلبا للطعام الذي تقدمه بعثات الاغاثة الدولية والكويتية والقطرية وبعض المبادرات العراقية، هاربين من المجاعة التي تسبب بها داعش حين صادر محاصيل الفلاحين وثروتهم الحيوانية وجعل الجوع سببا اضافيا للنزوح. اما الاهالي العالقون في منطقة الاشتباك الحالية قرب قلب الموصل القديمة فيقدر تعدادهم بثلاثمئة ألف نصفهم من الأطفال، ويبدو ان «داعش» قرر تنفيذ امر هو بمثابة «حكم اعدام جماعي» بحقهم، حيث يتعمد القناصون اتخاذ مواقع فوق بيوت مزدحمة بالسكان ويعوقون تقدم القوات العراقية، ويضطرونها لفتح النار على بيوت المدنيين بقسوة بالغة أحيانا. ويفيد ناشطون يتواصلون مع شهود عيان داخل منطقة المواجهات، ان الامر اكثر تعقيدا، فعناصر داعش لا ينتشرون بين المدنيين بشكل عفوي واضطراري عابر، بل يصممون طرقا ممنهجة ومعقدة لبناء «الدرع البشري» حول مواقعهم القتالية، حيث سجل الشهود في اكثر من حي سكني قيام داعش بترحيل العوائل وجمعهم في مساجد او مدارس تصبح مزدحمة بالنساء والأطفال، واتخاذ تلك الاماكن مواقع لاطلاق الصواريخ ومقرات قيادة واتصال واختباء لاخطر الانتحاريين والمقاتلين، الامر الذي ادى الى ارتفاع كبير في اعداد الضحايا المدنيين لصعوبة التمييز بينهم وبين داعش، حيث بدأت مروحيات الجيش الأميركي ومدفعية قوات التحالف والجيش العراقي، تعمل بقاعدة ان كل شيء «مبرر من اجل تحرير ٧٠٠ ألف موصلي هم بمنزلة «رهائن» لدى داعش. وقدرت منظمة الهجرة الدولية أمس، أعداد النازحين هربا من المعارك في الساحل الأيمن بـ 45 الفا، والنازحين من الموصل بقسميها بحوالي 200 ألف، غير أن عشرات الآلاف منهم عادوا إلى منازلهم في الجانب الشرقي منها. وتشمل أرقام المنظمة عدد النازحين الذين وصلوا من الجانب الغربي من الموصل إلى المخيمات منذ بدء النزوح في 25 فبراير حتى أمس.