كان فوز الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) أول درس صاخب عن الإعلام في التواصل الاجتماعي، وكنا في القديم نعرف شيئاً عن الشائعة والتواصل الشخصي الصاعد والهابط، لكننا اليوم نعرف أن الإعلام الكبير والذي عاش معنا منذ بداية القرن الماضي صار قليل الأثر في توجيه الرأي، فالرأي الشخصي عبر وسائل التواصل الاجتماعي يتجمع ليكون المؤثر الأول في الرأي. نعم لقد وقف الإعلام ضد الرئيس ترامب، وتضاد مع الرئيس ووصفه الرئيس بالكاذب، ولم يسكت الإعلام الكبير فتوقع فشله وفوز منافسته السيدة كلنتون، بل إن بعض وسائل الإعلام طبعت أغلفة بفوز كلنتون ثم غيرتها بعد فوز ترامب. هذا كله هزّ وسائل الإعلام والدوائر المعنية بتوجيه الرأي، وبدأت توجه الإعلان لهذا الإعلام الجديد، بل إن صحفاً كثيرة فقدت مواردها لهذا الوافد الجديد، فماذا في المستقبل؟ الحقيقة أن مدارس الإعلام قرأت ما يجري قبل عقد من الزمن، وأسست للتواصل عبر النت مناهج من احتمال أن يكون هو إعلام المستقبل؛ لكنّ أياً من معاهد الإعلام المعاصر لم يتكهن بسطوة الإعلام الحديث، وخطورة هذا التواصل الباطن الذي لا نعرفه إلا بظواهره عندما يكبر ويغير الحال. فوز ترامب كان بالتواصل الاجتماعي، ودهاليز الإنترنت، وتشكّل رأي عام وعصف بمنافسيه ليس رغبة في رجل متهم بالعنصرية ومعاداة قضايا المرأة والأجانب؛ لكن التصويت له كان بمنزلة احتجاج على التوجيه والسيطرة التي يفرضها إعلام الصحف وقنوات التلفزيون الكبرى، فهذا الفوز يقول إن الجماهير تحقق إرادتها ولا توجه كقطيع من المتلقين. المؤكد أنها ستتم مراجعة في مراكز الدراسات الاستراتيجية، ومدارس الإعلام لتظهر نظريات للتواصل الاجتماعي المؤثر، والحد من مفاجآته؛ لكن هذا ما زال مبكراً، وظاهرة التواصل الاجتماعي تفرض نفسها على الجميع. ستفكِّر الحكومات وموجهو الرأي بشيء ويملوه على إعلامهم الكلاسيكي؛ لكن إعلام الجمهور ينطلق نحو هدفه، ويوجه الرأي رغم محاولات الإعلام الكبير لصنع صور ذهنية، وتوقعاتي أن ينضوي الإعلام الكبير تحت التواصل الاجتماعي حتى لا تتكرر الورطة في انتخابات الرئيس ترامب.