الفارق بين الشخصية الكاريزمية القيادية، والشخصية المنفذة العادية، هو ذلك الفارق بين القادر على القفز من درجة إلى درجة أعلى والراضي بالبقاء ساكناً أو التحرك الأفقي البطيء، وكلا الأمرين يوصل إلى حالة من السكون قد لا تنتج عنها إلا قرحة الفراش، والتفسير هنا أن الذي يرغب في القيادة أو القادر على القيادة، هو ذلك الشخص الذي يتمكن من تحمل تلك الفترة التي يبدو فيها محلقاً في المجهول معلقاً في الهواء، بين درجة ودرجة أعلى، وهو الأمر الذي يعني القدرة على اتخاذ قرار قد يبدو جنونياً أحياناً لمن يعتقد في السكينة ملاذاً، لكن هذا القفز أو التحرك في الهواء إلى أعلى هو شكل من أشكال التطور والتحرك إلى درجات ومستويات أكثر رقياً وأكثر تحديثاً، ولكن هذه القفزات ينبغي أن تكون محسوبة ومدروسة، بحيث لا يكون القفز إلى المجهول، وإلا تحولت العملية إلى مغامرة أو مقامرة يدفع ثمنها المرتبطون بالقائم بهذه القفزة. في مجتمعاتنا في هذه المرحلة نحن في حاجة إلى ذلك النوع من القفزات المحسوبة، أو بمعنى آخر ذلك النوع من القيادات القادرة على اتخاذ قرارات قد تبدو مفاجئة للساكنين القابعين الراضين بمواقعهم التي يعتقدون أنها آمنة، وهي في الحقيقة تشكل أكبر المخاطر عليهم، وعلى من يرتبطون بهم أو يتأثرون بقراراتهم. في مرحلة من المراحل سادت الدعوة إلى خلق قيادات جديدة، وخلق صفوف ثانية وثالثة داخل المجتمعات والمؤسسات المختلفة سياسية وثقافية واجتماعية وإعلامية، وكانت هذه الدعوة من أجل صناعة حالة الاستقرار والاستمرار والتطور في المفاهيم وبالتالي الإنجازات، لكن هذه الدعوة وجدت قدراً واضحاً من المقاومة من أطراف اعتقدت أنها خالدة في مواقعها، أو اختارت أن تضمن استمرارها واستمرار الحال على ما هو عليه خوفاً من المغامرة أو القفز إلى ما يعتقدونه مجهولاً. أظن أننا في هذه المرحلة في أشد الحاجة إلى ذلك النوع من القادة، القادرين على القفز والقدرة النفسية على تحمل البقاء في الهواء للوصول إلى الدرجة التالية، ارتقاءً بالمجتمع وأهله.