كانت رحلتي الأخيرة إلى السودان ولأيام معدودة، آثرت فيها التفرغ للعمل والبعد، ولو جزئياً، عن أخبار الوطن، وعن موجات الشد والجذب بين المجلس والحكومة حول أزمات وزارة الصحة والإيداعات وغيرها، الأمر الذي أفقد ساحتنا السياسة الهدوء وعطل العمل. غادرنا مطار الكويت، الذي امتلأ عن «بكرة أبيه» بالمسافرين، على الرغم من قصر أيام الإجازة التي لا تتعدى ثلاثة أيام. وعلى الرغم من بهجة الاحتفالات بالعيد الوطني وحلاوة الجو المعتدل، فإن عشق الكويتيين وولعهم بالسفر أمران يحتاجان إلى مبحث آخر. المهم غادرنا مطار الكويت لنصل إلى محطتنا الأخيرة وهي مطار الخرطـــوم الذي تشـــابه، بل تـــطــابق – سبحان الله – مع مطارنا في حاله وأحواله على الرغم من فارق الظروف في الدولتين.. فالسودان العزيز عانى وما زال من المقاطعة الدولية ومن النزاعات السياسية بين شماله وجنوبه وبين أقاليمه الأخرى… كما يعاني ولا يزال من قلة الإمكانات المالية.. أما كويتنا فقد حباها المولى بالخير الوفير والإمكانات الجيدة، ولكن – وآه من لكن – عانت ولا تزال من التجاذب والصراع بين جموع السياسيين، كما آلمها تردد القرار الحكومي، وأضعفها استشراء الفساد، وأحوال مطارنا خير شاهد! بين المطارين كانت الاستراحة في مطار حمد الدولي في الدوحة، وعند وصولنا أحسسنا بإحساس الطائر الذي انتقل من ضيق القفص إلى اتساع الأفق، خصوصاً لمن حظي بالسفر على درجات الطيران المتقدمة.. ومع كل الدلال الذي شهدناه كمسافرين صعبت علينا نفسنا وحال بلدنا، وعلى الرغم من تمتعنا بخدماتهم المتميزة فإن لسان حالنا يردد الشكوى لله.. ويبتهل إليه بأن يصلح أحوالنا. عناء السفر تلاشى مع كرم الضيافة وحسن الاستقبال من أشقائنا وزملائنا السودانيين.. وآمالنا تطاولت وتعاظمت لما شهدناه من حماس الشباب الذين تدفعهم الرغبة في تخطي ظروفهم الصعبة واستكمال تعليمهم وتدريبهم.. ختمنا الزيارة ونحن نأمل من الله أن يوفق أهلنا في السودان.. ونحن لا ننسى شعاراً رفعه العرب حين كان السودان في يوم من الأيام سلة غذاء العالم العربي، آملين أن يصبح في القادم من الأيام مصدر غذائنا وذخيرة للإنسان العربي بشعبه المتعلم، الذي نجح في التغلب على ظروفه الصعبة وساهم في بناء وطنه رغم ظروف المقاطعة.ملاحظة:نجحت الحكومة في نزع فتيل أزمة الاستجواب لرئيس مجلس الوزراء.. وبهذا كسبت مزيداً من الوقت للعمل.. ولعل مجلس الأمة يهدئ اللعب فقد فاتنا الكثير وعلينا اللحاق بالآخرين وانسجام السلطتين مطلب أساسي لأي تقدم.. والله الموفق. د. موضي عبد العزيز الحمود