للطائفية قصص مرعبة وحكايات دامسة وفخاخ مميتة، ترويها سنوات الظلام وشلالات الدم الكثيف التي جعلت من اختلاف الدين والمذهب والطائفة ذنباً يستحق الموت والفناء، حتى لو كان هذا الاختلاف اختلافاً في الرأي فقط. لقد تلبدت غيوم الطائفية في سماء الأمة، وحين تلبدت تلك الغيوم حجبت عن أصحاب المصالح والمخاوف ضياء العقل ونور المنطق وثبات اليقين، واندفع الكل دون استثناء للتخندق داخل أسوار معتقداته وأفكاره؛ ليصبح همه الوحيد حماية خندقه ومن فيه من عدو صنعه هو من وحي هواجسه ومخاوفه وأفكاره، بإصرار مميت يغذيه التعصب والغضب ومشايخ الفتنة وفقهاء الظلام وأصحاب الأيديولوجيات والمحرضون أصحاب الأطماع والمصالح، دولاً كانوا أو أفراداً أو أحزاباً أو جماعات. إن للطائفية ملامح قبيحة، وأعمالاً رمادية، وأصواتاً بشعة، وأصحابها خفافيش، نواياهم مبيتة لتمزيق الوحدة الوطنية، مستعينة بمخالب أطماعها المذهبية والطائفية. إنها لعبة بربرية قذرة، وعار كبير على كل من يمارسها ويسبح في بحيراتها الآسنة. إن الطائفية واقع مرير، وحالة مرضية، وضياع وإهدار للمكتسبات الوطنية، ولها دور بالغ في تشكيل اللاوعي في حال حضورها في العقول والأفكار بمعطياتها السلبية المحفزة على نبذ التعايش المشترك والتعاطي المتبادل. ليس للطائفية أسس عدل ولا دروب خير ولا ممرات آمنة ولا أرضية مشتركة.. وبيئتها ملوثة، وطقسها غير صحي. أن الطائفية محاولة سيطرة وهيمنة فكر وثقافة وتعصب على كل المخالفين، أو حتى على الصامتين المحايدين. إنها مثل البناء القائم على فوهة بركان، قابل للاشتعال والفوران. إنها شر مستطير، تؤدي إلى التناحر والتشاجر والنزاعات والتصدعات التي تحرق الأخضر واليابس دون هوادة أو تعقل. إن على عقلاء الأمة الكثر تجريم الطائفية قبل تحريمها؛ لأن خطرها الاجتماعي أهم وأكبر من خطرها السياسي. فالسياسة ستتحرك مهما تجمدت الطائفة، لكن خطرها الاجتماعي يصعب تحجيمه إن اتسع، ووأده إن شب أو ارتفع. إن نيران الطائفية الاجتماعية المعاصرة صارت - بكل أسف - تتقد من وقود لا ينتهي سيله من الفضائيات الكثيرة المختلفة والمتنوعة واللامسؤولة، التي تسكن تاريخ الفتنة وحاضرها، وتزكي سجالاتها الملتهبة والعشوائية. إن الطائفية فتنة كل العصور والأزمنة، ولها احتقانات وأزمات وألوان داكنة وسلوك غير سوي، إنها إطار سيئ لبؤر الصراعات والتوترات والاحتقانات والانقسامات والتصدعات. إن علينا أن ندرك جميعاً أن الطائفية داء عضال، يفتك بجسم الأمة والمجتمعات؛ وبناء على ذلك يجب علينا وبلا تحفظ توحيد النضال ضد الطائفية فكراً وثقافة، مضموماً ومفهوماً وهدفاً، بل علينا التوسع في هذا النضال السلمي، والتحرك في إطاره على أسس وطنية بحتة، ضد كل من يمتهن الطائفية قولاً وعملاً، ويرفع شعاراتها وعناوينها الرمادية، حتى ننجح في وأد الطائفية البشعة، وكتم أنفاسها الكريهة، والقضاء على جراثيمها القاتلة، وطحالبها النتنة؛ لكي نعيش بسلام وأمان وتنمية وعيش رغد.