تعتبر بئر "عفيف العود" التي سيزورها أمير الرياض غداً، اللبنة الأولى التي أدت لنشوء هذه المحافظة بعد أن استوطن حولها جزء من البدو الرحل وانتقل لها بعض الحاضرة حينما أصبح طريق الحجاز يعبر من خلالها وازدهرت فيها الحركة التجارية، وازدات كثافتها السكانية أكثر بعد افتتاح المدرسة الأولى فيها. وعملت البلدية مؤخراً على تجميل البئر، ومحاولة إعادة ترميم بعض أجزائها ومرافقها، تزامناً مع زيارة أمير المنطقة، حيث سيستمع لشرح عنها وتاريخها قبل أن يشرف حفل الأهالي في المقر المعد لذلك. وبهذه المناسبة تستعرض "سبق" لقرائها جزءاً من تاريخ هذه البئر التي جذبت الضيوف الكرام لقدمها الضارب في التاريخ، رغم شح المعلومات حولها، ولكن الثابت أن تسمية المحافظة تعود إلى هذه البئر (عفيف العود) وهي بئر جاهلية قديمة تقع في واد يكثر فيه شجر السمر. ويذكر هنا الدكتور سعيد دبيس العتيبي أن من أشهر الرحالة الذين زاروا عفيف (تشارلز داوتي) وهو رحالة إنجليزي قدم إلى الجزيرة العربية عام 1876م وانضم إلى قافلة متجهة إلى الحج من منطقة القصيم عام 1878م ووصل الطائف ثم توجه إلى جدة ونشر يوميات رحلته في كتابه العربية الصحراوية. ومما ذكر عن عفيف قوله "وصلنا عفيف قبل غروب الشمس بساعتين، بئر قديمة يبلغ عمقها عشر قامات إلى الماء ومحاطة ببناء بدائي من الكتل البازلتية غير المشذبة، تتسابق القوافل في الوصول إلى هذه البئر بأسرع ما يمكن، رأينا قافلة تحيط بها، وكان رجالها منهمكين في سحب الماء ولديهم عدد كبير من الجمال ترتوي، ثم وردت قافلة أخرى بعد مغادرة القافلة الأولى قضت ما يقرب من ثلاث ساعات لسقي جمالها، والتزود بما يلزمها من ماء، وقد رأيت آثار وجود الإنسان في هذه المنطقة من خلال بقايا النيران التي تركتها قبيلة قديمة اشتهرت بصيد الغزلان هنا ومن خلال مناظر الطبيعة في هذا المكان يبدو عدم وجود شيء على الإطلاق فكيف كان هذا يحدث حتى بالنسبة للعرب هذا أمر غريب... وعفيف محاطة بهضبات من صخور الحرة، وكثير من أشجار السلم التي شاهدت مثلها في سورية". ويضيف "أما الرحلة الأخرى التي تضمنت إشارة إلى عفيف فكان صاحبها (إيجبرو ناكانو) وهو من الدبلوماسيين اليابانيين، سافر بالسيارة في رحلة عمل من جدة إلى الرياض عام 1358هـ، وسجل مشاهداته أثناء رحلته في كتاب باسم الرحلة اليابانية إلى الجزيرة العربية". وتابع "وصلنا إلى عفيف، وبسبب هذا الجو الممطر كنا نرى الحشائش خضراء منتشرة من حولنا وشاهدنا في وسط هذه المنطقة خمسة رجال أو ستة من البدو يسقون عشرين رأساً أو ثلاثين من الغنم". ويتضح من وصف الكاتبين السابقين في رحلتيهما أنهما زارا عفيف قبل عمرانها حين كانت مورد ماء للبادية. كما يروي لـ "سبق" نايف العنزي وهو من كبار السن في المحافظة، أن هذه البئر لا يعرف أحد تاريخ نشأتها وهي جاهلية، ولكنه يذكر أنه منذ وصوله للمحافظة مع والده في قرابة العام ١٣٦٥هـ والبئر موجودة وتسقي منها الحاضرة والبادية، للشرب ولسقيا مواشيهم، ومازالت تجود بالمياه حتى الوقت الحالي حيث إنها تستخدم حالياً من البلدية لسقيا الأشجار. ويشير العنزي أنه ولشح مياهها في ذلك العصر كانت إمارة عفيف آنذاك تعيّن حراساً عليها ليلاً حتى لا يردها أحد حتى تتكوم مياهها للصباح وتسقي أكبر عدد ممكن في الصباح، وكان يُعاقب من يتسلل لها ويأخذ منها الماء خلاف الوقت المحدد، كما يذكر أنه ومعه شخص يدعى راشد الفوزان وآخرون وبأمر من أمير عفيف، جددوا حفرها ونظفوها وأصلحوا اعوجاجاً كان في قاعها. ويضيف أنه أعقب هذه البئر فيما بعد حفر عدة آبار جوفية هي بالترتيب، لعيونه وتقع غرب من جامع الشقاري (جامع الغويري حالياً) وقد اندثرت، ثم بئر الحلوة وتقع شرقاً من عفيف العود حول سوق الأغنام القديم، تلاها حفر بئر العويجا وهي في الوادي جنوب ثانوية البنات الأولى ومازالت موجودة، ثم خليفة وتقع شمال سوق الذهب واقد اندثرت تحت الأسفلت.