تنظر منظمات المجتمع المدني بإيجابية إلى كل المواقف السياسية التي تطلق في لبنان وتأكيدها أهمية تفعيل وتمكين دور المرأة في المجتمع، لكنها تترقب في الوقت عينه ما سينتج عمليا عن هذه المواقف، خصوصا أن الوقائع والتجارب لم تكن مشجعة في أمور عدة متعلقة بالنساء. وكان آخر هذه الوعود كلام رئيس الحكومة سعد الحريري، أمس، خلال إطلاق هيكلية وزارة الدولة لشؤون المرأة، مؤكدا أن وجود كوتة للمرأة شرط من شروط قانون الانتخابات الجديد الذي يجري النقاش للوصول إليه، وواعدا بتنفيذ توصية صدرت في حكومته الأولى في 2010 لإشراك المرأة في المراكز العليا ومجالس الإدارة في الدولة. من جهته، أعلن وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان عن خريطة طريق عمل الوزارة، لافتا إلى أن خطة العمل تلحظ ضمان حق النساء والرجال على السواء في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وتعزيز قدرات المرأة والقضاء على البطالة والفقر والقضاء على العنف ضد المرأة. وأوضح أوغاسبيان أن خريطة طريق عمل الوزارة تلحظ كوتة نسائية بالمقاعد وليس الترشيح في أي قانون انتخابات نيابية إضافة إلى حق إعطاء المرأة الجنسية لأولادها. من هنا، يرى علي سليم، الباحث في «الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات» ومنسق «التحالف الوطني لدعم تحقيق مشاركة المرأة السياسية في لبنان»، أن موقف رئيس الحكومة إيجابي، لكنه يؤكد أن الحكم يبقى من خلال التنفيذ على أرض الواقع، قائلا: «كيف نثق بطبقة سياسية يناقشون القانون الانتخابي في الربع ساعة الأخير ولا يحترمون المهل القانونية». ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «قبل تشكيل الحكومة سمعنا كثيرا على ألسنة المسؤولين تأييدهم لتولي النساء مراكز وزارية لكن عند التنفيذ لم يتم تعيين إلا امرأة واحدة من أصل 30 وزارة، لكن في المقابل كان استحداث وزارة لشؤون المرأة خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح على أمل أن يكون لها دور فاعل». ويؤكد سليم ضرورة ألا تتدنى نسبة الكوتة التي يفترض أن ينص عليها أي قانون جديد للانتخابات النيابية عن 30 في المائة وفق الاتفاقات الدولية، لافتا إلى أن الأمر يتوقف أيضا على شكل وصيغة القانون الذي سيتم التوصل إليه. وفي حين لا ينفي بعض المسؤولين عدم توافق الكتل النيابية على مبدأ الكوتة، يلفت سليم إلى أن «حزب الله» على لسان نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم، خلال لقاء مع «التحالف الوطني لدعم تحقيق مشاركة المرأة»، كان قد أعلن رفضه لها، فيما يصف موقف «التيار الوطني الحر» في هذا الإطار بـ«غير الداعم صراحة له»، وذلك بحجة أنها تقيّد مشاركة المرأة. ويشير إلى أن نسبة مشاركة المرأة اليوم في البرلمان هي 3.1 في المائة بعدما كانت النسبة الأعلى عام 2005 بتسجيل 4.3 من مجمل عدد نواب البرلمان اللبناني. انطلاقا من هذا الواقع، يوضح أن المطالبة بالكوتة لا تعدو كونها مرحلة أولى تأسيسية، من شأنها تكريس هذه المشاركة بشكل أوسع وأكثر فاعلية، ويرى أن «بعض الحجج التي يتسلح بها رافضوها تنطلق من أن الأطراف والأحزاب السياسية تعتمد في البرلمان على رجال أعمال يدعمونها ماديا ويعتبرون المفاتيح الانتخابية بالنسبة إليها لينفذوا مخططاتهم الحزبية، وهو الأمر الذي قد لا يكون متوفرا مع النساء». ويعتبر سليم النساء اللبنانيات واعيات لحقوقهن لكنهن مكبلات من المجتمع والقانون بحيث تبقى دائما السلطة ذكورية ودينية، وهو الأمر الذي يفرض، في رأيه، أهمية إقرار «سرية الاقتراع» في لبنان؛ حيث المجتمع لا يزال محافظا وتتعرض فيه النساء للضغوط التي تؤثر على مشاركتها في الانتخابات. وكان الحريري قد أكد خلال إطلاق هيكلية وزارة الدولة لشؤون المرأة في السراي الحكومي، أن زمن المرأة اللبنانية قد بدأ. وقال: «عندما أطلقنا الوزارة كان هدفنا تمكين المجتمع اللبناني كله، وتمكين المرأة تمكين لكل لبنان»، معتبرا مهمة الوزارة «هي تصحيح الخلل بحقها». وأضاف: «إن حق المرأة بالمساواة والثقافة والتعليم هو ضمان لحقوق أولادنا وأحفادنا وكل الأجيال من بعدنا». وتابع: «عندما نتحدث عن تمكين المرأة اقتصاديا فإننا نكافح نصف الفقر في مجتمعنا، وعندما نطور تشريعاتنا لمكافحة العنف ضد المرأة فنحن نقتل نصف العنف بحقها». وأشار إلى أن «المرأة في لبنان تمثل 28 في المائة من القوى العاملة و3 في المائة من أعضاء المجلس النيابي، ومهمة وزارة الدولة لشؤون المرأة تصحيح هذا الخلل»، معتبرا أن «وجود الكوتة النسائية شرط من شروط قانون الانتخاب الجديد الذي يجري النقاش للوصول إليه». وأضاف: «ليس سرا أن تمكين المرأة أصبح من المعايير الدولية لقياس مدى تقدم الدول... واليوم، وبعد 70 عاما تقريبا، ما زلنا في هذا المقياس متأخرين، رغم مظاهر الحداثة والتطور والانفتاح التي تزخر بها بلدنا، فالمرأة في بلدنا تمثل 54 في المائة من المنتسبين إلى مستوى التعليم العالي، لكنها لا تمثل سوى 28 في المائة من القوة العاملة و3 في المائة من أعضاء المجلس النيابي. باختصار، إن مهمة وزارة الدولة لشؤون المرأة هي تصحيح هذا الخلل... ونحن من جهتنا نلتزم مساندة هذه المهمة».