شَيخُنَا الكَاتِب الكَبير «عَبَّاس مَحمود العقَّاد» يُعتَبر مَدرسَة، لَيس في الكتَابة فَقط، بَل في التَّأليف والتَّفكير، لذَلك من الجَدير بِنَا أَنْ نَتَأمَّل تَجربته الكِتَابيَّة وطَريقتهَا، التي نَثرهَا فِي بَعض كُتبه، وهي تَجربَة عَريضَة وكَبيرة، لَن يُحيط بِهَا مَقَال قَصير كهَذَا، ولَكن يَكفينَا مِن القلَادَة مَا يُحيط بالعُنق، وأَعْنِي بِهِ طَريقة شَيخنا «العقَّاد» في الكِتَابَة، وعَلَاقته بالمَشي، وعَلَاقته مِن جِهةٍ ثَانية بالمُنبِّهَات والمَشروبَات أثنَاء الكِتَابَة..!يَقول «العقّاد» بالحَرف الوَاحِد: (طَريقتي فِي الكِتَابة، أنِّي أَبدَأ المَقال وفي ذِهني جَميع أُصوله و»نُقَطه»، مُرتَّبة عَلى الجُملَة حَسَب التَّسلسل المنطقي، ولَكنِّي إذَا مَضيتُ فِي الكِتَابة، عرضت لِي حَاشية مِن هُنَا، أَو لَمحَة مِن هُنَاك، تَطرأ فِي عَرْض الكَلَام، ولَا تغيِّر شَيئاً مِن جَوهر المَقَال، إلَّا أَنْ تَزيده جَلاء فِي بَعض الأحيَان، أَو تُضيف إليهِ عُنصر الفُكَاهَة والتَّبسيط. وأَكتُب فِي كُلِّ مَكَانٍ خَلَا مِن الضَّوضَاء، أَمَّا إذَا لَم تُقيِّدني الضَّرورَة بمَكَانٍ مُعيّن، فأَكثَر مَا أَكتُب وأَنَا مُضطجع عَلَى الفرَاش، وثَلَاثة أربَاع مَقَالاتي السِّياسيَّة كُتبت كَذَلك. هَذا فِي النَّثر، أمَّا الشِّعر، فيَغلب أنَّي أَنظمه وأَنَا أَتمشَّى، أَو أَسيرُ فِي الخَلَاء)..!هُنَا يُبيّن «العقَّاد» أَشيَاء كَثيرة، يَعنيني مِنهَا نَظْم الشِّعر أَثنَاء المَشي.. ولَو سَألت «العقَّاد»: هَل تَستَعين بالشَّاي والقَهوَة، أَو السَّجَائِر أَثنَاء الكِتَابة؟، لقَال لَك: (لَم أَتعوَّد أَنْ أَستَعين بشَيءٍ مِن المُنبِّهَات، التي يَألَفهَا بَعض الكُتَّاب أثنَاء العَمَل، كالتَّدخين وشُرب القَهوَة.. ومَا إليهَا، حَتَّى أَيَّام كُنت أُدخّن، بَل لقَد كُنتُ يَومئذٍ أَترُك التّدخين حِين أَشرَع فِي الكِتَابَة)..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي القَول: هَذا كَلام «العَقَّاد» فِي غَاية الرَّوعَة، وهو رَدٌّ عَلى أُولئك الكُتَّاب، الذين أَزعجونَا بجَعل الكِتَابة طقُوساً، لَا تَكتمل إلَّا بالدُّخان، والشَّاي والقَهوَة وصَوت فَيروز..!!