مكة - مكة المكرمة الصلاح والإصلاح «إن السنن الإلهية التي بثها الله في الكون والأنفس والمجتمعات سنن ثابتة مستقرة مطردة لا تتبدل ولا تتحول، وذلك من أعظم صفاتها، فربنا سبحانه في كل لحظة وكل يوم هو في شأن، وكل شيء عنده بمقدار، إن السنن الإلهية في الأنفس والآفاق والمجتمعات كثيرة ومتنوعة بتنوع متعلقاتها، فهناك سنن كونية طبيعية وسنن اجتماعية، وسنن حضارية اقتصادية، وسنن تاريخية، وسنن الاستخلاف والتمكين، وقد بين الله سبحانه كثيرا منها في كتابه وعلى لسان رسوله، وأمرنا سبحانه أن ننظر ونتأمل في الآيات والقدر وأحداث التاريخ، ومن سنن الله الثابتة المطردة سننه المتعلقة بنصر دينه وشريعته وأوليائه وحزبه، وسنن نزول العذاب وإهلاك الأمم وغيرها، فهذه سنن خاصة بينها ربنا سبحانه أحسن بيان، حيث جاء التأكيد على أن التوحيد والعمل الصالح هو السبيل الأوحد لنصر الأمة وتمكينها في الأرض مع الإعداد والقدرة المادية، لذا أعدوا لهم ما استطعتم من قوة، وبين القرآن أن أعداء الأمة لهم وقت وأجل معين فإذا جاء أجلهم نزل بهم العذاب، وقد يشك البعض في ذلك لما يرى من تطاول أمم الكفر واستعلائهم وما علموا أن ذلك يجري وفق سنن ربانية، وأن سنة الله في إهلاك الظالمين والطغاة قد تطول لما تتحقق على أرض الواقع، وقد تذهب أجيال وتأتي أجيال ثم تقع سنة الله في الظالمين والطغاة فلا يستأخرون عنها ساعة ولا يستقدمون، ومن أضخم السنن الربانية سنة المداولة بين الناس فيوما رخاء ويوما شدة ويوما نصر ويوما هزيمة، ومن آثار سنة المداولة هنا أن يظهر الخبيث والمنافق ويتميز عن المؤمن الصادق وتلك سنة التمييز العجيبة، وجاء البيان في القرآن والسنة مؤكدا على أن فشو الظلم وغياب العدل وانتشار المعاصي والذنوب والمجاهرة بها والترف والإسراف من أعظم أسباب تغير الأحوال وزوال النعم وفجاءة النقم ونقص العافية والأرزاق وقسوة القلوب وتناكر النفوس وتباغضها وتسليط بعض السلوك على بعض بالقول والفعل». خالد الغامدي - الحرم المكيحقوق الوالدين «أداء الحقوق الواجبة على العبد نفعها في أول الأمر وآخره يعود إلى المكلف بالثواب في الدنيا والآخرة، والتقصير في بعض الحقوق الواجبة يعود ضرره وعقوبته على المضيع للحقوق المشروعة في الدين، لأنه إن ضيع حقوق رب العالمين فما ضر إلا نفسه في الدنيا والآخرة، والله غني عن العالمين، وإن حق الرب الذي يجب حفظه هو التوحيد، إذ وعد الله عليه أعظم الثواب، فمن ضيع حق الله عز وجل بالشرك به، واتخاذ وسائط من دون الله يعبدهم، ويدعوهم لكشف الشر والكربات، وقضاء الحاجات، ويتوكل عليهم، فقد خاب وخسر، وأشرك وظل سعيه، لا يقبل الله منه عدلا ولا فدية، ويقال له «ادخل النار مع الداخلين» إلا أن يتوب، وإن المكلف إن ضيع وترك حقوق الخلق الواجبة، فقد حرم نفسه من الثواب في الدنيا والآخرة، وعرض نفسه للعقاب، وإن قصر في بعضها فقد حرم من الخير بقدر ما نقص من القيام بحقوق الخلق، وإن أعظم الحقوق بعد حق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، حقوق الوالدين، ولعظم حقهما قرن الله حقه بحقهما، وإن الله عظم حق الوالدين لأنه أوجدك وخلقك بهما، فالأم وجدت في مراحل الحمل أعظم المشقات، وأشرفت بالوضع على الهلكات، كما أن الأب يرعى ويربي ويسعى لرزق الولد، ويعاني جانبا من الأمراض، ويسهر الوالدان لينام الولد، ويتعبان ليستريح، ويضيقان على نفسهما ليوسعا عليه، ويتحملان قذارة الولد ليسعد، ويعلمانه ليكمل ويستقيم، ويحبان أن يكون أكمل منهما، فلا عجب من كثرة الوصية بالوالدين، ومن كثرة الوعيد في عقوقهما، كما لن يبلغ ولد كمال البر بالوالد، مهما اجتهد وبذل إلا في حالة واحدة، بينها الحديث الذي رواه أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه)، والوالدان بابان من أبواب الجنة من برهما دخلها». علي الحذيفي - الحرم النبويالص�?حة التالية >