×
محافظة المنطقة الشرقية

أمير الباحة يرعى توقيع اتفاقية تعاون بين إمارة المنطقة وجامعة الباحة

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي ثمة لغة في التحليل والقراءة السياسية تشيع حول سورية، ولا نكاد نعثر في تضاعيفها على أيّ تعاطف مع القتلى والثكالى والمعذبين من المدنيين وضحايا هذه الحرب المدمرة. الصدق في مقاربة الحقائق العارية ليس على الضد من الانتصار للإنسان وكرامته، وبرودة القراءة السياسية لا يعني أنْ تصاب بالصمم. ينبغي ألا ننسى أن معنى الكتابة وقيمة الكاتب تكمنان في تحسين شروط الإنسان والنطق بهمومه وهواجسه ومخاوفه وشكوكه وأحلامه، وأزعم -في الحالة السورية مثلاً- أن لا قيمة لتحليل سياسي مهما بلغ عمقه وعلتْ دقته لا يحوم حول ضرورة رفع المعاناة عن أهل سورية وتوجيه البوصلة باتجاه ذلك، مهما بلغت صعوبة الواقع وسورياليته. اليوم، وبعد ثلاث سنوات على الثورة السورية، تنتشر بين السوريين لغة غريبة عليهم وعلى طريقة عيشهم وتعايشهم الديني وتسامحهم الاجتماعي الذي عاشوا في ظله لعقود عدة منذ عهد الاستقلال الوطني. ومع تصاعد العنف وصراع الأجندات الإقليمية والدولية، تتم الاستهانة في إراقة الدماء وحرمة كرامة الإنسان. عند هذا الحدّ لا منتصر في سورية، سواء أكان النظام أم المعارضة، فأيّ انتصار حين تحكم شعباً لدى كل عائلة فيه مصيبة وذكرى أليمة وجرح غائر؟! أعرف كثيراً من الزملاء السوريين منذ سنين، ولأول مرة أكتشف فيهم تصاعد نبرة الرغبة في إفناء الآخر في الوطن والعروبة وتمني السوء له والجهر بالسعي لتدميره وإقصائه والدعاء لأن يكون العيش من دونه! «سكان مدينة واحدة يتقاسمون هواء مدينة واحد00ة خائفين بعضهم من بعض: المسيحيون خائفون من المسلمين، الأقليات الطائفية خائفة من الأكثرية، والأكثرية خائفة من بطش الأقلية، قوميات وأديان وطوائف خائفون من الرئيس وضباط مخابراته، والرئيس خائف من أعوانه وحراسه...»، وفي النهاية المأسوية يكاد يتبدى أن «الموت هو الشيء العادل الوحيد في هذه الحياة»، كما يقول خالد خليفة في روايته «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة». في ظل أهوال الثورة/ الصراع/ الأزمة تهشّم التنوع الغنيّ وتشظى التآلف وتفكك النسيج وضاع التسامح. إنها الحقيقة المُرة من دون وهم وتنميق إنشائي. وحتى لو كنت من أشد أعداء نظرية المؤامرة فإن هذا لا يشفع بأنْ يصار إلى غض النظر عن أن الجغرافيا السياسية لسورية ما زالت لم تستنفد أغراضها في الصراع الإقليمي والدولي الذي يتخذ من سورية «ساحة» له. هنا سيقال كلام كثير عن السياسة ولعبة التحالفات الإقليمية والعالمية وإعادة تشكيل المنطقة وتواطؤ دولي لفرض أجندات وسياسات معينة ليس مصلحة الشعب السوري ومشاعره ومأساته وهمومه وفجائعه من ضمنها. ولكن السؤال الكبير: إلى متى ستستمر هذه الحرب المدمرة التي أفرغت سورية من مقومات حضارتها وأهدرت تاريخها وأراقت الدماء في ساحاتها وغيّبت الاستقرار من جنباتها؟! ليس في هذا الكلام تخطئ لأطفال درعا الذين كتبوا قبل ثلاث سنوات على جدران مدينتهم عبارات تدين عنف النظام ودمويته وكشفت عن رغبتهم في العيش بحرية وكرامة فكان مصيرهم تقطيع الأصابع! كما ليس في هذا تعايش وتبرير لنظام يبدع في إهداء شعبه براميل البارود والمتفجرات والقنابل! التحليل السياسي الأصم يقول إن هوية الخاسر في سورية ستحدد شكل المنطقة وتعيد ترتيب هندستها الجديدة. والمشاعر الإنسانية تقول: أيّ انتصار هذا الذي سيكون في دولة مفككة وفاشلة ومجتمع نصفه يكره الآخر ويتمنى إزالته. والحل بيد السوريين أنفسهم، وهو تغليب مصلحة الوطن وتعميق أواصر الأخوة والمحبة بين أبناء البلد الواحد. مثل هذه الدعوة تبدو للكثيرين ساذجة ومستحيلة وتتعامى عن وقائع السياسة واشتباكاتها وتعقيدات الصراع القائم وأبعاده وتفاعلاته وموازين القوى على الأرض وصراع الإرادات، لكنّ شيئاً من التروي وإمعان النظر والإحساس بالصدمة والألم والفاجعة سيكشف لنا أنّ هذه الدعوة المستهجنة هي التي ينبغي أن تسود إذا أردنا أن نبدأ في وقف هذا العنف الأعمى الذي تغرق فيه سورية اليوم. تذكروا أنه نداء المشردين والجرحى والمكلومين والخائفين من أهل الضمائر الذين لا يتخيلون كيف سيكون شكل الأجيال القادمة في سورية ممن قضوا طفولتهم البريئة في مخيمات اللجوء وفي ظل هدير المدافع والطائرات وصوت القنابل والرصاص ورائحة الدماء وفي خضم أجواء الصراع والكراهية وإهدار المحرمات تحت وطأة السلاح وقوة «المنتصر». الأمل والدعاء في أن تكون سورية في سنتها الرابعة أكثر سلاماً وأماناً.     * كاتب أردني