لو عن لأحد متابعي المؤثرات والندوات والملتقيات التي عقدت خلال عشر سنوات وقام بتجميع ما صدر عنها من توصيات ومقترحات مختلفة الأحجام والمقاسات والموضوعات، لوجد نفسه أمام ألف توصية وتوصية، فإن كانت تلك المؤتمرات والندوات في مجال الاقتصاد والاستثمار والتصنيع، فإن كل مؤتمر أو ندوة سوف يقدم توصيات مثل «الورد»، لو طبق عشرها لكانت لدينا نهضة اقتصادية وصناعية واستثمارية تضاهي ما هو موجود في دول نمور آسيا، ولكن التوصيات تظل في الملفات، ثم تجيء بعدها توصيات جديدة دون أن يتم تنفيذ شيء من التوصيات القديمة ولا حتى مراجعة ما صدر ونفض الغبار عنها، وإنما الاكتفاء بإعطاء رقم تسلسلي لكل مؤتمر أو ندوة، والافتخار بأن الجهات المنظمة استطاعت الارتقاء بمستوى التنظيم والاستضافة وتلافي ما حصل من ملاحظات سابقة، وأن تلك المؤتمرات والندوات لم ينقطع تنظيمها سنويا منذ عقدين أو ثلاثة عقود، أما لو سئل المنظمون عن النتائج ومدى ما نفذ من توصيات، فإنهم قد يصدون عن السائل وهم مستكبرون! والأمر نفسه ينطبق على الندوات التي تبحث شؤون البطالة وتوطين الوظائف «السعودة» والفرص الوظيفية المتاحة في القطاع العام، ويصدر عن تلك الندوات توصيات مميزة تحمل كلمات قوية وعزيمة معلنة على ألا يبقى مواطن أو مواطنة دون عمل، ولكن عند التطبيق، فإن طلاب الوظائف من الجنسين قد تحفى أقدامهم وهم يدورون بملفاتهم بحثا عن وظيفة تؤمن لهم لقمة عيش كريم، ولكن الأبواب توصد في وجوههم حتى يصاب بعضهم بالاكتئاب الحاد المزمن، وقد يصدر عنه ما لا تحمد عقباه، فإن رجع إنسان ما إلى ما صدر من توصيات لحل مشكلة البطالة وجد تلك التوصيات تنام قريرة العين في أحد الأدراج المكتظة بالأوراق بجوار توصيات سابقة، وأخرى أسبق، ورابعة من أيام «الآلة الكاتبة»، أما المؤتمرات التي تتحدث عن مشاكل الأمة الإسلامية سياسيا واقتصاديا وصحيا وتنمويا فحدث ولا حرج؛ لأنه تعقد حولها في العام مئات الندوات والمؤتمرات بأحجام مختلفات، ويصبح مجموع التوصيات في العام الواحد ألف توصية وتوصية، ولكن كل تلك «الجعجعة» تنسى في الملفات بعد دقائق من انفضاض المؤتمر، وأحيانا قبل انتهاء الحفل الختامي واستلام الهدايا المالية والعينية ومغادرة الفندق باتجاه المطار! وعلى الرغم من كل ما ذكر، فإن الندوات والمؤتمرات واللقاءات لم تهدأ، واستمر ضجيجها الإعلامي، وأصبح لها رعاة إعلاميون يغطون نفقاتها ليستفيدوا من أضوائها الإعلامية والاجتماعية، وأصبح معظم الذين يحضرون الندوات والمؤتمرات يكون همهم الأول والأخير ظهور صورهم الباسمة في وسائل الإعلام في اليوم التالي من عقد الندوة، ليشتري نسخة من الصحيفة ويضعها أمام أم العيال؛ حتى تعلم أنه رجل مهم يشار إليه بالبنان!؟.