من المبالغة الحديث عن حياة حزبية في مصر. وتقديري أن ضعفها أو موتها يتحمّله أصحابها وعناصرها وليس لأي جهة أخرى، أمنية أو سياسية دور في تصعيد حدة الخلافات. وبافتراض أنها تدخلت من باب القيام بدورها بذريعة الوفاء بمهامها، فإن دورها لن يكون فاعلا ما لم يكن هناك خراب أو فساد جعل ممارسات هذه الجهات ذات تأثير. المشكلة أن الوصول إلى هذه النتيجة خطورته سوف تكون مزدوجة، طبعا على الأحزاب ذاتها والتي تتضرر كثيرا وتفقد بريقها أو لمعانها السابق، وعلى الدولة ذاتها لأن فراغ الساحة من الأحزاب، سواء بموتها الإكلينيكي أو القضاء عليها وفقا لخطة ومنهج وتوجه، سوف يسمح بتفريخ آلاف وربما ملايين الأحزاب الصغيرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكل شخص لديه حد أدنى من الوعي السياسي سيتصور أنه قائد وزعيم لمجرد أنه يستطيع الوصول إلى شريحة عريضة تعجب بأفكاره حتى لو كانت سطحية. ووجه الخطورة الحقيقي هنا يكمن في صعوبة السيطرة والفوضى والانقلاب، لأنها أحزاب أو كيانات وهمية من المستحيل إحكام السيطرة عليها بأي وسيلة مهما بلغت دقّتها ومتانتها وقدرتها على الخداع. فهذه ساحة مفتوحة للجميع ليمارسوا فيها كل أنواع الدجل والخداع والتضليل، والذي يتزايد في ظل تردي الثقافة السياسية، لأن ما يقدّم ما يقدّم من قبيل النقد والاعتراض هو انتقام أكثر منه انتقاد، وشيوع هذه الحالة نكبة على الأحزاب ونكبة على الدولة أيضا. بالتالي المطلوب إعادة النظر في العمل الحزبي والبيئة والأجواء التي يعمل فيها عموما وامتلاك رؤية شاملة لتفريخ سياسيين، لأن ترك الأمور على حالها سوف يؤدي إلى تفريخ المزيد من القنابل التي تنفجر في وجوهنا جميعا، ومن يعتقدون أن انفلات وتشرذم الأحزاب وانتشار الأمراض داخلها يحقق لهم مصالح ويمنحهم قدرة أكبر على التحكم واهمون، وقد يكونون أكثر المتضررين مستقبلا. ومصر التي تتطلع لأدوار كبيرة من الضروري أن تهيئ التربة لظهور قوى كبيرة، وتستوعب المعارضين عبر قنوات شرعية فوق الأرض، لأن اقتتالهم السياسي أو حتى اختفائهم يفتح المجال للنزول تحت الأرض، بما يصعب مهمة المراقبة والمحاسبة. محمد أبو الفضل