شقة غاية في البساطة في أحد الأحياء الشعبية كانت مسكن أسرة مرعي التي كانت تفتقد الكثير من أساسيات الحياة، ومع ذلك كان الحب يضمهم والسعادة تحيط بهم من كل جانب، فابتساماتهم وضحكاتهم لم تكن تنتهي. الأب موظف بسيط يسعى بكل جهده لزيادة ساعات عمله ليحصل على أجر إضافي حتى يوفر لأسرته ضروريات الحياة، وجميع أفراد الأسرة يتقبلون كل شيء ببساطة وقناعة بما قسمه الله. كان مرعي متفوقاً دائماً في دراسته، ولعل ذلك يعود إلى هدوء حياته العائلية وخلوها من المشاكل، وقد التحق بكلية التجارة كما كان يتمنى، وفور حصوله على البكالوريوس أسرع بالبحث عن عمل، لكنه بسبب البطالة المتفشية فشل في العثور على عمل براتب يكفي لبناء مستقبله وتجهيز شقة للزواج فيها، فقد كان متلهفاً إلى أن يستقل بحياته بعيداً عن منزل الأسرة المكتظ بأفراده فله 8 أشقاء بخلاف والديه، بعد مرور عامين من تخرجه وتنقله في أكثر من عمل، أخذ يفكر بموضوعية فوجه اهتمامه للبحث عن فرصة للعمل في الخارج، وبالفعل وفق للعمل في مصنع كبير في إحدى الدول العربية براتب لم يكن يحلم به. حزم حقائبه وعزم على عدم العودة، إلا بعد أن يكون ادخر ما يكفيه لبداية حياة كريمة في الوطن. أحواله تغيرت ومظهره اختلف للأفضل، وكان أول ما طلبته والدته منه أن يتزوج كي ترى أحفادها. التقى أثناء زيارة أحد أصدقائه مع نبيلة التي كانت منذ اليوم الأول لمولدها جميلة الملامح وعلامات الحسن واضحة على وجهها. بهره جمالها وحسنها. وعلى الرغم من أن والدته حذرته منها، شعرت بخبرة الحياة بأن نبيلة لا تصلح لأن تكون زوجته، علاوة على فارق السن الذي يزيد على 15 عاماً، لكنه أصر على رأيه وأغلق سمعه وبصره فوافقت الأم على مضض. وبعد أسبوع تمت الخطوبة وقدم لها شبكة ثمينة ولم يمض سوى شهرين فقط حتى تم زواجهما وأنفق مرعي على حفل الزواج ببذخ، وأمضيا بضعة أيام في إحدى القرى الساحلية بعدها سافرا إلى الدولة العربية التي يعمل فيها مرعي، وفي ذلك الوقت كان حبيب نبيلة الأول فايز يغلي من شدة الغضب إذ كان مرتبطاً معها بقصة حب منذ الصغر، وتقدم لخطبتها لكن أسرتها رفضته. سارت الحياة بنبيلة وأنجبت طفلتها سارة، وبعد غربة استمرت 10 سنوات عاد الزوجان إلى أرض الوطن بصفة نهائية حيث بدأت غيرة مرعي العمياء في الظهور، إذا وقفت في النافذة أغلقها وعنفها بشدة، وإذا خرجا معاً يعتقد أن كل شاب في الطريق ينظر إليها ويغازلها، وإذا خرجت بمفردها كانت الطامة الكبرى فلا بد أنها كانت على موعد غرامي، وفي النهاية حبسها داخل البيت ومنعها من الخروج إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك كانت نبيلة راضية بحياتها وتعزي نفسها بطفلتها حتى تصادف أن أصيبت أمها بالمرض فذهبت لزيارتها بمفردها، وأثناء عودتها التقت مصادفة مع فايز وصافحها بحرارة وسألها عن أحوالها وأفصح لها عن ندمه الشديد عن كل دقيقة مرت من دون أن يراها فيها فهزتها كلماته من الأعماق وتحرك بداخلها الشعور القديم بالحب وقبل أن يفترقا تبادلا أرقام هاتفيهما، وكانت بداية جديدة للغرام القديم واعتقدت نبيلة أنها ستجد مع فايز الحب والمشاعر التي تحتاج إليها وتفتقدها مع زوجها. كان فايز مصدر الثقة الذي تفضفض إليه بأسرارها، ورأت أنه الآن كذلك ومع أول مكالمة بدأت تشكو إليه زوجها وسوء معاملته لها وأنه يغار عليها بجنون حتى جعلها شبه حبيسة المنزل، وتوالت المكالمات الهاتفية تدريجياً حتى أباحت نبيلة لنفسها الكشف عن أسرار العلاقة الزوجية وتفصيلات ما يدور داخل حجرة النوم، واتهمت زوجها بأنه بخيل عليها في حقوقها الزوجية وأنها فكرت في الطلاق ولم يمنعها سوى طفلتها سارة. شعر فايز بما تحتاج إليه نبيلة فلم يتردد في اقتناص الفرصة وأمطرها بكلام الحب المعسول والمشاعر الدافئة وسكب في أذنيها كلمات المديح بلا حساب وفوجئت به يعرض عليها أن يلتقيا في شقتها إن لم تستطع هي أن تحضر إليه في منزله، وفي البداية أجفلت نبيلة لكن فايز ظل يلح عليها يوماً بعد يوم ومكالمة بعد أخرى حتى سألته عن كيفية اللقاء وكيف تستقبله في منزلها فأخبرها بخطته الشيطانية. فوجئ مرعي بتغيير يطرأ على زوجته التي كانت تتظاهر أمامه بأنها مضطربة نفسياً، وحار مرعي في أمر زوجته وبدأ بعرضها على طبيب أمراض نفسية وعصبية لكنها بعد أول زيارة للطبيب أخبرت زوجها بأن الطريق الذي يسلكه لعلاجها لن يجدي فهي ليست مريضة نفسياً فقد خافت أن يكتشف الطبيب كذب ادعائها وروت لزوجها قصة لا يصدقها عقل حيث أخبرته بأن أحد الجان اختارها زوجة له وأنه هددها بتدمير زوجها وقتل طفلتهما، وأجادت نبيلة تمثيل دورها حتى صدقها مرعي واستجاب لطلبها أن تنام بمفردها حتى لا يخطف الجن طفلتهما أو يؤذيه وأصبح ينام بجوار طفلته في حجرة أخرى وهو يدعو لها بالشفاء، وهكذا بدأ معها مرعي رحلة طويلة في التردد على الدجالين أنفق خلالها الكثير من الأموال ومع ذلك لم يحدث تغيير في حالتها. مر عام كامل على هذه الحال حتى جاء الوقت لكشف المستور، تنصت بأذنيه في إحدى الليالي على باب الغرفة وهو يرتعش خوفاً فسمع أصوات زوجته، وظن أن الجان يضربها فاستجمع شجاعته وحاول فتح باب الحجرة فوجده مغلقاً وفتحت زوجته الباب ومنعته من الدخول وحذرته ألا يفعل ذلك مرة أخرى وإلا عرض نفسه وطفلتهما للضرر وربما يحرق الجني الشقة بمن فيها. لجأ مرة أخرى إلى المشعوذين بلا فائدة حتى طلب منه أحدهم وضع جهاز تسجيل صغير أسفل سرير النوم من دون علم زوجته لأنه يريد أن يسمع ما يتم خلال الساعات التي تختلي فيها بنفسها. في الصباح أخذ "مرعي" جهاز التسجيل وهو يرتعد خوفاً من الجن وذهب إلى الشيخ الذي فتح جهاز التسجيل ليكشف أنه وقع في خديعة كبرى، فزوجته تخونه مع عشيقها، وهنا أبلغ الزوج الشرطة بالخديعة فكلفوه بإبلاغهم عندما تختلي زوجته بنفسها حتى يتم ضبطها متلبسة مع عشيقها، وبعد وقت قصير من دخولها حجرتها كالمعتاد وبعد أن استمع الزوج للأصوات التي تخرج منها أعطى الإشارة لرجال الشرطة الذين اقتحموا الحجرة، وتم ضبطها مع فايز الذي حاول القفز من نافذة الحجرة، لكن الشرطة تمكنت من القبض عليه وعلى الزوجة الخائنة، وأمرت النيابة بحبسهما على ذمة التحقيق وإحالتهما إلى المحاكمة.