أصبحت سناء على أبواب المراهقة، وبدأت الحارة كلها تتحدث عن جمالها الأخاذ، وبالطبع كانت والدتها تخشى عليها من شباب المنطقة وتود تزويجها حتى تستريح من القلق الذي يساورها كلما اختفت عن عينيها لحظة واحدة، لكن كل من يحاول الوصول إليها يصل إلى طريق مسدود، فقد سلمت قلبها وهي في الرابعة عشرة لابن خالها عارف الذي كان يكبرها بخمس سنوات، وبمجرد أن انتهى عارف من أداء الخدمة العسكرية تقدم مع والديه يطلب يدها وتلقته الأم بكل ترحاب، وتم إعلان الخطوبة في حفل بسيط في منزل العروس، كما تم الاتفاق على إتمام الزواج بعد حوالي عام بعدما يكون عارف قد دبر أموره لكن المال وقف مانعاً قوياً في وجه جمع الشمل، وفشلت جميع المحاولات التي بذلها عارف ووالداه لتدبير خلو ولو حجرة واحدة وبعض الأثاث.تم تأجيل موعد الزواج مرة تلو الأخرى وتوالت الأيام بلا بصيص أمل، فلم يجد عارف أمامه من حل لأزمته المستحكمة سوى البحث عن فرصة للعمل في الخارج، وأخذ يبحث هنا وهناك حتى وجد الفرصة المنشودة وودع سناء وهو يتوسل إليها بدموعه أن تنتظره ووعدته أنها لن تكون لغيره مهما طال غيابه. انتظرت سناء رسائل خطيبها التي تؤكد لها قرب تحقيق المراد، لكن لم تصل منه أي رسائل حتى تقدم لها عبد الحميد. كان عبدالحميد من صغار التجار، لكنه سافر إلى إحدى دول الخليج وعاد بثروة لا بأس بها وبدأ في الاتجار في الماشية، ولم يكن تزوج بعد وعندما شاهد سناء بهره جمالها وصغر سنها وشعر بأنه الوقت حان ليتخلص من العزوبية التي دامت طويلاً، فقد قارب على إكمال الأربعين من عمره، ووعد الأم بتحمل جميع نفقات الزواج وبأن ثروته كلها بين يديها لشراء كل ما تحلم به لابنتها الوحيدة. طارت الأم من شدة الفرحة بالعرض المغري فهي تعرف حجم ثروته، وأسرعت تزف الخبر لابنتها وهي تهنئها على العريس اللقطة لكنها فوجئت برفض سناء التي أكدت أنها تحب ابن خالها الذي ابتلعته الغربة ولن تحب سواه، بذلت الأم كل جهودها لإقناعها تارة بالقسوة التي تصل إلى حد المقاطعة وتارة باللين، واستعانت بشقيقها نفسه الذي لم يجد عيباً في أن ينصح سناء بالموافقة على عبدالحميد فموقف ابنه عارف غير واضح، خصوصاً أنه لم يرسل حتى رسالة وأن عبد الحميد سوف يوفر لها ما لا يمكن أن يوفره أحد غيره. لم تجد سناء من يقف معها فبحثت عن حجة أخرى حتى تتعلل بها لترفض عبدالحميد فقالت إنه أكبر منها فهي لم تتجاوز العشرين بينما هو في الأربعين فأفحمتها أمها عندما أخبرتها بأنها تزوجت والدها قبل أن تكمل الخامسة عشرة من عمرها. بدأت الاستعدادات للزواج واعتبرت سناء أن هذه الزيجة محنة لابد منها وعليها أن تقبلها فإذا كانوا جميعا قد ارغموها على الزواج فليس في إمكانهم أن يجعلوها تنسى حبيبها، وسيقت كما تساق الشاه إلى بيت الزوجية الذي جهزته أمها كما تشتهي ومثلت دور العروس وروضت نفسها على قبول عبد الحميد الذي بذل كل جهده لإسعادها على أمل أن يكسب قلبها بالمعاشرة، ويوماً بعد يوم كانت آمالها في عودة ابن الخال تضيع وحلت مكانها المسؤوليات التي ألقيت على عاتقها كزوجة لرجل يحبها ولا يخجل من أن يظهر حبه فتحاول هي جاهدة أن تسعده بقبول عطائه عساه يتخلى عن غيرته الشديدة من ذكرى ابن الخال الذي يغار من مجرد ذكر اسمه إذا ذكرته من أي حكاية تجيء عنه من رسائله التي بدأت تصل إلى والده حتى إنها في إحدى المرات فوجئت به يرفع يده ويصفعها على فمها حتى يلزمها الصمت وحذرها من ذكر هذا الاسم أمامه مرة أخرى، وكانت هذه غلطته الكبرى في نظرها فقد كانت في طريقها إلى النسيان لكنه بهذا الغضب الأحمق جعلها تعود إلى التعلق بذكرياتها مع عارف، وكلما وجدت نفسها بمفردها تستعيد مع نفسها أيامهما معاً وهان زوجها عليها بعد أن كانت بدأت في الاقتراب منه ونوت بعزم صادق أن تفسح له المكان الأول في قلبها لكنه قطع الطريق على نفسه بغبائه، شعرت سناء بأعراض الحمل وشغلها شعورها بأنها قريباً سيكون لها طفل يؤنس وحدتها عن كل شيء، كما كاد زوجها يطير من شدة السعادة، ومرت أشهر الحمل على خير وأنجبت عبد الله وأقام زوجها وليمة كبيرة في حفل السبوع ولم تعد سناء تذكر ابن خالها وزحف النسيان على الماضي وانشغلت في العناية بالطفل.مرت الشهور وجاء العام الثالث من دون أن يعود عارف وأرسل رسالة إلى أهله بأنه لن يعود فلم يعد لديه من يعود إليه بعد ضيعة رجائه وخيبة أمله، ولسوء الحظ عرف زوجها بما جاء في الرسالة فاتهمها بأنها لا تزال تحب ابن خالها والدليل الذي لا يقبل الشك لديه أن الطفل عبد الله لا يشبهه على الإطلاق بل يشبه ابن خالها ولم يكتف باتهامها سراً، وإنما أعلن عن الاتهام أمام الآخرين أيضاً، ولولا أن الحمل حدث بعد سفره لاتهمها صراحة بأنها خانته، وعندما سيطرت عليه هذه الفكرة المريضة توسلت إليه سناء أن يكف عن ترديد هذه التهمة المستحيلة الارتكاب فكل ما يدور في رأسه ما هو إلا أوهام لا أساس لها من الصحة، وذلك يؤذي مشاعرها ويضعها في قفص الاتهام لكنه أخذ يرددها على مسامعها ليل نهار وكأنه يتلذذ بعذابها حتى فاض بها الكيل وشعرت بأنها ضئيلة حقيرة وعليها ألا ترضى لنفسها بالذل والهوان، فبدأت المشاجرات تعرف طريقها إلى المنزل وتأزمت العلاقة بينهما، وأصبحت لا تتحمل أي تصرف منه وتترجمه على أنه يقصد إهانتها وزادت الأمر سوءاً الضائقة المالية التي مر بها عبد الحميد وشعوره بأنه لم يستطع خلال سنوات الزواج الثلاث أن ينتزع من قلبها حب ابن خالها، وتكررت الخلافات وتفاقمت المعارك حتى نشبت بينهما مشادة كلامية انتهت بأن فقد أعصابه وانهال عليها بالضرب فبادلته ضربة بضربة وتشابكا وعلت أصواتهما فصرخ الطفل عبد الله فزعاً، وأخذ يزحف حتى خرج من باب الشقة المفتوح ولم يتنبها إليه فسقط في بئر السلم ولم يشعرا إلا والجيران يدخلون عليهما بجثة الطفل. شعرت سناء بأن زوجها هو الذي تسبب في قتل الطفل وبأن موت الطفل أسعده فصممت على طلب الطلاق ولم يكن أمام عبد الحميد سوى الاستجابة لطلبها، وعادت سناء وجلست تبيع الخضر مكان أمها التي لزمت الفراش.