استمع د. إدريس لكريني شهد المغرب في سنة 2011 حراكاً مجتمعياً؛ قادته حركة 20 فبراير؛ انطوى على مجموعة من المطالب. حقيقة أن موضوع الإصلاح السياسي والدستوري بالمغرب ليس جديداً؛ ولم ينبعث مع هذه الحركة التي برزت في أعقاب الحراك بالمنطقة؛ بل شكّل ذلك (الإصلاح) أولوية لعدد من الأحزاب الوطنية والقوى السياسية والحقوقية والأكاديمية منذ عقود خلت؛ كلّفت نضالات وتضحيات، غير أن تسارع وتيرة الأحداث بعد ظهور الحركة؛ وما تراكم من إصلاحات ومبادرات سياسية وتشريعية مختلفة؛ يبرز أن المغرب ربح مجموعة من المكتسبات في محيط إقليمي ملتهب. تأثّر مسار الحركة بمجموعة من المتغيرات؛ سواء تعلق الأمر منها بتفاعل الدولة وتعاطيها مع عدد من الملفات الاجتماعية والحقوقية التي رفعتها الحركة ضمن مطالبها؛ ونذكر في هذا الصدد الخطاب الملكي في التاسع من شهر مارس /آذار2011 وما تلاه من تعديل دستوري جاء بمجموعة من المستجدات؛ أو ببعض الأخطاء التي ارتكبتها الحركة ذاتها. في بداية ظهورها؛ عرّفت الحركة بنفسها على أنها سلمية مستقلة عن الأحزاب والتنظيمات السياسية والدينية والنقابية في الداخل والخارج. وقد تأثّر ظهور الحركة بعاملين أساسيين، أولهما إقليمي؛ مرتبط باندلاع الحراك في المنطقة الذي أعطى للتجربة زخماً من الجرأة في طرح المطالب، وثانيهما محلّي؛ في علاقة ذلك بانشغالاتها المحلية، وبخصوصيتها المغربية؛ باعتبارها نتاجاً واستمراراً لنضال ساهمت فيه الكثير من القوى على امتداد عقود عدّة خلت. وتمحورت مطالب الحركة حول إعمال إصلاح دستوري عبر هيئة مستقلة؛ وإصلاح القضاء ودعم استقلاليته؛ ودسترة الأمازيغية إلى جانب اللغة العربية؛ وسنّ تشريعات تدعم تطوير الإعلام العمومي؛ وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين؛ وتنفيذ كل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؛ ومراجعة قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات. وكما هو الشأن بالنسبة إلى الاحتجاجات التي شهدتها عدد من دول الحراك؛ خلت تظاهرات الحركة من ترديد الشعارات ذات حمولة دينية رغم وجود مكونات سياسية ذات توجهات إسلامية داخل الحركة. ونجح شباب الحركة في استثمار شبكات الاتصال الحديثة (يوتوب؛ وفيسبوك؛ وتويتر ومدونات..) في تحقيق التواصل وتداول مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية. انطلقت احتجاجات الحركة بتاريخ 20 فبراير/شباط 2011 برفع مجموعة من الشعارات؛ على امتداد مناطق مختلفة من البلاد، ما أسهم في بروز مجموعة من النقاشات داخل المجتمع؛ خصوصاً أن السلطات لم تتدخّل بعنف - في كثير من الأحيان- لتفريق المتظاهرين. وفي غمرة هذه الاحتجاجات؛ ألقى العاهل المغربي الملك محمد السادس خطاباً مساء يوم الأربعاء 09 مارس/آذار 2011؛ طرح فيه تصوراً شاملاً للإصلاحات المختلفة التي ستباشرها الدولة؛ حيث أعلن عن إجراء تعديل دستوري عميق يدعم ترسيخ الديمقراطية، ودولة الحق والقانون؛ كما أكد مواصلة إصلاح النظام الجهوي، وقام في اليوم التالي بتعيين لجنة للسهر على تعديل الدستور؛ تضمّ في صفوفها مجموعة من الكفاءات؛ وطلب منها فتح نقاشات واسعة في هذا الصدد قبل أن ترفع إليه تقريراً حول الموضوع. وتمخضت عن الخطاب حالة من الارتياح في أوساط الكثير من الفعاليات الحزبية والسياسية والفكرية، وحتى في بعض صفوف الحركة؛ باعتباره يجسّد تجاوباً مع كثير من المطالب التي تم رفعها خلال الأشهر الأولى من انطلاق الحراك. وجاء التعديل الدستوري للعام 2011 بصورة غير مسبقة؛ من حيث استشارة عدد من القوى السياسية والحزبية والنقابية والأكاديمية والحقوقية؛ ومن حيث مستجداته المهمّة. فعلاوة عن دعمه للحقوق والحريات الفردية والجماعية للمواطن والتفصيل فيها؛ حاول الدستور المعدّل إعادة صياغة مهام السّلطات في إطار يسمح بقدر من التوازن والوضوح في الصلاحيات؛ كما سار باتجاه دعم العمل البرلماني من حيث الصلاحيات التشريعية والعمل الرقابي والدبلوماسية البرلمانية وتعزيز صلاحيات المعارضة البرلمانية. فيما أصبح لازماً بموجب الفصل 47 منه تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي سيتصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب. من جهة أخرى؛ أكد الدستور المعدّل إدماج المرأة من خلال التأكيد على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء؛ وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز. إضافة إلى إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي (الفصل 170 من الدستور) كسبيل لدعم مشاركة الشباب في التنمية، وإدماجهم في المجتمع. والتأكيد على ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ والاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. كما حمل التعديل مجموعة من التوصيات التي سبق لهيئة الإنصاف والمصالحة وأكدت عليها منذ سنة 2005؛ في علاقة ذلك بحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً؛ والتأكيد على معاقبة جريمة الإبادة وجرائم الحرب، وكل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ والتأكيد على قرينة البراءة والحقّ في محاكمة عادلة. كما تمّ التّنصيص على استقلالية القضاء ووضع مجموعة من الضمانات في هذا الإطار، حيث استبدل مصطلح القضاء بالسلطة القضائية في الباب السابع منه؛ فيما أضحى المجلس الأعلى للسلطة القضائية أكثر استقلالية من حيث تشكيلته. وبالرغم من المواقف الملتبسة لحزب العدالة والتنمية من الحركة وعدم دعمه لها؛ فقد كان هو المستفيد الأكبر من هذا الحراك؛ حيث فاز بعدد غير منتظر من المقاعد في البرلمان؛ ومن تمّ تولي رئاسة الحكومة في ظل هامش دستوري أوسع مما كان في السابق. ورغم العديد من إنجازات التحالف الحكومي؛ لم تخل هذه التجربة التي قادها الحزب من إشكالات مختلفة؛ ترجمها الشرخ الحكومي الذي أحدثه انسحاب حزب الاستقلال من تحالف الأغلبية؛ والتوتّر الذي طبع علاقتها بالمعارضة البرلمانية وعدد من المركزيات النقابية؛ إضافة إلى الارتباك الذي ميّز تعاطيها مع قضايا الفساد وعدد من الإشكالات الاجتماعية. drisslagrini@yahoo.fr