يتباهى الخطاب الثقافي العربي بعمقه التاريخي لكنه ينتابه الفرح العارم حين يُترجم كتاب عربي الى لغة أجنبية. وفي خطاب العرب الثقافي تتحول اشادة الآخر (الذي نتهمه بالتآمر) بمنتج عربي أو مشروع عربي الى مصدر فرح عربي ومادة خبرية تنتشر عبر كافة الوسائل الاعلامية العربية. ذلك موقف يعبر عن تناقض فكري جعل العرب يتخاطبون مع العالم الآخر بلغتين تمثلان الانقسام الفكري الأمر الذي أدى الى تداعي جسور التواصل الثقافي مع الآخر وعدم وضوح الرسالة العربية التي يريد العرب ايصالها اليه فهو يوصف بالغازي والمتآمر والمحتل ويوصف أيضا بالمتقدم وأحيانا بالمتحضر وحين يحتد الحوار العربي ويصل الى طريق مسدود يتجه العربي الى الآخر بحثا عن أبحاثه واكتشافاته كي يستشهد بها ليفوز في حواره مع الطرف العربي. هذا الآخر هو في الخطاب الديني علماني أو كافر وفي الخطاب السياسي متآمر أو صديق وفي الخطاب الثقافي متقدم أو امبريالي ولذلك وتبعا لهذا الخطاب قد يطالب المثقف بالحوار العربي مع الآخر فيأتي مثقف آخر ليتهمه بالعمالة والتآمر مع الآخر. هذا الآخر الذي ننتظر منتجاته ونستخدم مخترعاته هو الذي نطالب بالحوار معه في موقع ونرفض مصافحته في موقع آخر وهو في حياتنا الاجتماعية رفيقنا في وسيلة النقل والمكتب والمطعم ومواقع الترفيه والمستشفيات والمدارس والجامعات والمصانع وفي استخدام وسائل الاتصالات ثم نتهمه بعد ذلك بالغزو الثقافي. هذا واقع يعبر عن عجز عربي في مجال العلوم كما يعبر عن الحاجة الى خطاب ثقافي عربي جديد يتناسب مع ظروف ومتطلبات هذا الزمن. وقد يقال ان السياسة وأحداثها ومصالحها هي السبب في الفجوة الثقافية وهذا قول يضع الثقافة في المقعد الخلفي في حين أن مكانها الطبيعي هو المقدمة. ان موقع العرب الراهن في خريطة العلم هو السبب الأول فيما آلت اليه أحوالهم ومطلوب من الخطاب الثقافي الجديد أن يسحبنا الى ميادين العلم والعمل والبحوث والمصانع والمختبرات وأن لا يشغلنا بالحوارات الكلامية التي لا تقود الى نتيجة في مسيرة التقدم. مطلوب من الخطاب الجديد أن يقود لا يقاد وأن ينقل العرب الى مرحلة جديدة برؤية ثقافية تعلي مكانة العلم والعمل والمنجزات الحقيقية التي تؤثر في الواقع وتغيره، وترشيد التغني بمنجزات الماضي والتفاخر بها في نفس الوقت الذي يستورد العرب من الآخر كل متطلبات الحياة الحديثة. سؤال المقال: ماهو دور الثقافة في التطوير وهل تقوم بدور عملي في تحقيق التنمية الشاملة أم هي مجرد جلسات فكرية موغلة في المثالية وتتحدث بلغة استعلائية بعيدة عن الواقع؟