بائع الكتب صورة للمثقف العراقي المجهول أعلنت القائمة القصيرة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، الخميس الماضي، وتضمنت 6 روايات تتنافس علي الجائزة الكبرى، هي عبارة عن مزيج من الأعمال السردية التي يتناول بعضها التاريخ، فيما يكشف بعضها الآخر وجوه الواقع العربي المخفية بشكل جريء. العربأسامة صفار [نُشرفي2017/02/22، العدد: 10551، ص(14)] من قتل بائع الكتب ومثقفي العراق (لوحة للفنان ديلاوير عمر) مجهول يقتل مثقفا وبائع كتب عراقي، من دون سبب واضح، ولم يعرف أبدا اسم القاتل أو دوافعه. موت المثقف العراقي محمود المرزوق، جاء مشابها لحياته، إذ عاش في الهامش، وفيه كان موته مجانيا، موت لا يليق برجل يحفظ التاريخ بين عينيه وفي عمق وجدانه وأوراقه. المرزوق هو بطل رواية “مقتل بائع الكتب”، للروائي والباحث العراقي محمد سعد رحيم، التي بلغت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر، مع 5 روايات عربية أخرى، هي “السبيليات” للكويتي إسماعيل فهد إسماعيل، و”موت صغير” للسعودي محمد حسن علوان، و”زرايب العبيد” للروائية الليبية نجوى بن شتوان، و”في غرفة العنكبوت” للمصري محمد عبدالنبي، و”أولاد الجيتو – اسمي آدم” للبناني إلياس خوري. وفي روايته “مقتل بائع الكتب”، يعيد محمد سعد رحيم رواية التاريخ المعاصر للعراق، عبر تحقيق استقصائي يبدأ مع وصول صحافي يقوده الفضول ويدعى ماجد بغدادي إلى مدينة بعقوبة (60 كم شمال بغداد)، في مهمة استقصائية، تمتد لشهرين، كلّف بها من قبل شخص ثري متنفذ، لن نعرف هويته. ومع تتابع أحداث الرواية، نجد أنفسنا أمام شخص مجهول أول وأساسي، يريد أن يعرف سبب الموت المجاني لواحد من العراقيين، كان ينبغي له أن يحظى بالاهتمام والشهرة، نظرا إلى أعماله الفنية ومسار حياته كمبدع ومثقف مميز. كان الاتفاق بين الشخص المجهول والصحافي على أن يؤلف الأخير كتابا يكشف فيه أسرار حياة بائع الكتب والرسّام محمود المرزوق، الذي قتل وهو في السبعين من عمره، وكشف ملابسات مقتله، ومن هنا تشرع الرواية في منعرج آخر، حيث يقيم الصحافي في رحلة بحثه عن الحقيقة علاقات مع معارف الراحل وأصدقائه. تتوالي المفاجآت عن القتيل، الذي لا يعرف عنه الكثير، ويعثر الصحافي على دفتر دوّن فيه المرزوق بعض يومياته قبل رحيله، يوميات تؤرخ لحياة المدينة منذ اليوم الأول للغزو الأميركي واحتلال العراق. ويجد أيضا رسائل متبادلة بين مرزوق وامرأة فرنسية تعمل عارضة فنون (موديل) للرسّامين تدعى جانيت، وتؤكد الأوراق أن علاقة عاطفية كانت تربطه بها خلال فترة لجوئه إلى باريس. رواية التاريخ المعاصر للعراق ومن هذه المصادر والقصّاصات وغيرها، تتكشف لنا شخصية المرزوق وتظهر فصول من حياته المثيرة غير المستقرة، وعلاقاته وصداقاته مع النساء والرجال، وتجربته السياسية في العراق، وفي تشيكوسلوفاكيا، وهروبه منها إلى فرنسا، لكن سبب القتل يبقى مجهولا. وفي رصده لتفاصيل نضال المرزوق، يكتشف القارئ أسبابا عديدة تفسر دوافع قتل رجل مثله بدءا من ثقافته الواسعة، وحتى تدوينه لتاريخ احتلال العراق منذ اليوم الأول، حيث يؤكد الراوي، بهذه الانعطافة الدرامية المفاجئة، أن المرزوق ليس شخصا عاديا أبدا، فمنذ اللحظة الأولى لظهوره الروائي يشعر القارئ أنه التقاه في منتديات القاهرة، أو الصالونات الثقافية لبغداد، أو معارض الفن التشكيلي في الجزائر، أو حتى جاوره في مظاهرة، فهو رسام وعاشق للموسيقى والأدب واللغات والكتب والجمال والعلاقات الإنسانية. بطل الرواية الاستثنائي يختصر تاريخا من النضال، سواء داخل العراق أو خارجه، ليكشف محمد سعد رحيم من خلاله عن قصة تكررت للكثير من المثقفين العراقيين، الذين شاءت أقدارهم أن يعيشوا مجهولين ويموتوا دون أسباب واضحة في أرض الوطن أو خارجه. ونلاحظ أن لغة الرواية جاءت رشيقة وسلسة، ونجحت في تقديم صورة مفصلة للنخبة ولنشاط الصالونات الأدبية، وغيرها. ويؤكد رحيم ذلك في حديثه عن روايته قائلا “كتبتها بلغة حاولت أن تكون بسيطة، متجنبا التجهيل، فليس ثمة راو يحكي لنا عن كل شيء بوضوح مؤكد، وحتى الشخصيات تشكِّك ببعض التفاصيل التي تسردها، وتتكرر خلال الصفحات كلمات من قبيل ربما، لعلّ، قد، لا أدري، لست واثقا جدا”. وهذا ما يؤكد على أهمية اللغة في العمل السردي، حيث تكون هي الحامل الأول للأحداث والشخصيات والحركة الدرامية، وهذا تماما ما تصوره بنجاح “مقتل بائع الكتب”.