القاهرة: محمد حسن شعبان يصعب تبادل الحديث داخل المقر الضيق والمظلم لمركز توثيق نماذج تأييد مرشحي الرئاسة في ميدان الجيزة (غرب القاهرة)، فأصوات السيدات المصريات اللائي احتشدن داخل المقر علت بأغنية مؤيدة لمرشحهم عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المستقيل. ومن بين العشرات الذين تزاحموا أمام غرفة التوثيق المخصصة لإصدار نماذج تأييد مرشحي الرئاسة وقف ثلاثة رجال فقط من مؤيدي زعيم التيار الشعبي حمدين صباحي في صمت. وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» على عدة مكاتب توثيق (الشهر العقاري) في القاهرة والجيزة، بدا أن نساء مصر قد يحسمن المنافسة الرئاسية لصالح السيسي في جولتها الأولى. ويحتاج الراغب في الترشح في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يومي 26 و27 مايو (أيار) المقبل، الحصول على 25 ألف نموذج تأييد ممن لهم حق التصويت في الانتخابات، من 15 محافظة على الأقل، بواقع ما لا يقل عن ألف توكيل من كل محافظة منها. وهيمنت مفارقة لافتة على مكاتب التوثيق أمس، فبينما أعرب مؤيدو صباحي عن مخاوفهم من مساندة مؤسسات الدولة لوزير الدفاع السابق السيسي، شكت سيدات داخل مكتب توثيق الجيزة من انقطاع الكهرباء وقلن إن «انقطاع الكهرباء متعمد لإفشال مساعيهن في إصدار نموذج تأييد لقائد الجيش السابق». وقالت حملة صباحي في بيان لها مساء أول من أمس إنها رصدت في عدة محافظات خروقات في إجراءات إصدار نماذج تأييد المرشحين في اليوم الأول، أبرزها إصدار نماذج تأييد جماعية واستخدام حافلات تابعة للدولة لنقل موظفين إلى مراكز إصدار نماذج التأييد. ورغم الحماسة التي تبديها السيدات لانتخاب السيسي، فهن يبدين أيضا حذرا بالغا لضمان وصول نموذج التأييد إلى مرشحهن. وحين طلب من السيدات تقديم بطاقات الهوية للموظف المختص، اعترضن خشية أن تستخدم بطاقات الهوية في عمل نماذج تأييد لمرشح آخر. واصطفت السيدات في ممر ضيق وسيئ الإضاءة، بينهن سيدات مسيحيات، ومسلمات منتقبات، وربات بيوت. وقالت ماري، وهي سيدة مسيحية (55 عاما) انتهت لتوها من إجراءات تأييد مرشحها: «قمت بتأييد السيسي طبعا، هو فيه مرشح غيره؟». وخلال الاستفتاء على دستور جديد للبلاد مطلع العام الحالي خص السيسي سيدات مصر بجزء من خطابه، داعيا الأمهات والسيدات إلى المشاركة بقوة في الاستفتاء، وهو ما ظهر أثره بوضوح في مقار الاستفتاء التي غصت بالسيدات في أبرز ملمح لاستفتاء دستور 2014. وانطلقت إجراءات المنافسة في الانتخابات الرئاسية الاثنين الماضي، مع فتح باب الترشح رسميا، وسيكون على المرشحين المحتملين تقديم أوراق ترشحهم كاملة إلى اللجنة العليا للانتخابات، بما في ذلك نماذج التأييد المطلوبة، ونتائج رسمية لفحوصات طبية لضمان خلو المرشح من أمراض قد تعيقه عن ممارسة مهام منصبه. وقالت الحملة الانتخابية الرسمية لقائد الجيش السابق إن السيسي أجرى أمس الفحص الطبي اللازم للترشح. ونشرت الحملة على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صورا للسيسي وهو يجري الفحص الطبي المطلوب. وأمام مكتب توثيق الجيزة وقف ثلاثة شبان من حملة «مستقبل وطن» التي يتزعمها محمد بدران رئيس اتحاد طلاب مصر، وهي إحدى الحملات المؤيدة للسيسي، وقال أحمد السيد، وهو أحد أعضاء الحملة، لـ«الشرق الأوسط» أمس: «لا نجد صعوبة على الإطلاق في جمع التأييد للسيسي، لكن المشكلة الأبرز أن المواطنين باتوا لا يثقون في أحد، ويرفضون منحنا أصل التوكيل». ودخل السيد في نقاش مع رجل مسن في محاولة لإقناعه بتسليمه أصل نموذج التأييد أو صورة منه، لكن الرجل السبعيني رفض في إصرار قائلا إن «الإخوان (جماعة الإخوان المسلمين) يجمعون التوكيلات للتخلص منها». وحظي السيسي بشعبية واسعة لدى قطاعات كبيرة من المصريين بعد أن استجاب لمظاهرات حاشدة خرجت لإنهاء عام من حكم الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان. وبات الانتساب إلى جماعة الإخوان اتهاما جاهزا وسط قطاع واسع من المصريين لمن يرغب في توكيل زعيم التيار الشعبي المنافس الوحيد للسيسي حتى أمس. وقالت سيدة محجبة اصطفت في طابور المنتظرين إنهاء إجراءات التأييد، وهي تشير إلى رجل ملتحٍ: «أهُم الإخوان شغالين اهُم». ومن بين السيدات اللائي يستعددن لتأييد السيسي، قالت سيدة عرفت نفسها لـ«الشرق الأوسط» بـ«أم أحمد» إنها منحت صوتها لحمدين صباحي في الانتخابات السابقة (في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل عامين)، وتابعت: «أنا أحترم صباحي لكن البلد في حاجة إلى قيادة، والسيسي قادر على إصلاح الأحوال». وفي انتظار دوره داخل غرفة توثيق التأييد الرئاسي، قال محمد نجيب: «أنا اسمي كاسم رئيس الجمهورية الأسبق (في إشارة إلى اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية في البلاد).. وجئت لتأييد السيسي، لكن هل يصح أن نُحشر في هذا المكان الضيق ونعامل على هذا النحو، وننتظر حتى عودة الكهرباء؟». وسيكون على الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة التصدي لأزمة نقص الطاقة، ومعالجة نزيف الاقتصاد المتأثر بالاضطرابات السياسية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك قبل ثلاث سنوات. وبدأت حملات داعمة لترشح السيسي في التباهي بأعداد نماذج التأييد التي حصل عليها قائد الجيش السابق. وقالت حملة تمرد التي دعت للمظاهرات التي أطاحت بالرئيس السابق مرسي إن أعضاءها تمكنوا من جمع سبعة آلاف توكيل للسيسي بعد ساعتين منذ بدء العمل في ثاني أيام فتح باب الترشح، بينما قالت حملة تيار الاستقلال الداعمة للسيسي أيضا إنها جمعت أول من أمس نحو 11 ألف نموذج تأييد. وقال إيهاب، وهو أحد الموظفين المسؤولين عن إصدار نماذج التوثيق، إنه حرر 123 نموذجا حتى صباح أمس (الثلاثاء)، منهم نموذجان فقط للمرشح حمدين صباحي. ويعمل ثلاثة موظفين داخل مقر مصلحة الشهر العقاري والتوثيق بالجيزة لإصدار تلك النماذج باستخدام قارئ إلكتروني. وفي محاولة لمواجهة الأثر المحتمل للدعم الشعبي الذي يحظى به السيسي، أعلنت حملة صباحي أنها لا تستهدف الدخول في سباق للحصول على أعلى عدد من نماذج التأييد مع المرشحين الآخرين، مؤكدة أن عدد تلك النماذج لا يعد مؤشرا على اتجاه التصويت في الانتخابات الرئاسية. وقال السفير معصوم مرزوق، المتحدث الرسمي باسم حملة صباحي، في تصريحات صحافية أمس إن مرحلة جمع التوكيلات ما هي إلا مرحلة فنية وإدارية، ولا تعد قياسا أو مؤشرا لنتيجة العملية الانتخابية. وحصل صباحي على نحو خمسة ملايين صوت في الانتخابات التي جرت صيف 2012، وجاء في المركز الثالث بفارق ضئيل عن منافسيه الفريق أحمد شفيق، والرئيس السابق مرسي، الذي حسم الانتخابات في جولتها الثانية بفارق طفيف عن منافسه. وخاض صباحي الانتخابات السابقة بعد أن حصل على ما يزيد على 30 ألف نموذج تأييد من الناخبين، التي اشترط القانون السابق للانتخابات حصول المرشح عليها، قبل تقليصها في القانون الحالي لتصبح 25 ألف نموذج تأييد. وكان صباحي - بحسب مراقبين - «الحصان الأسود» للسباق آنذاك.