وزير التعليم المصري الجديد.. النوايا لا تكفي للإصلاح لم تنجح تجارب إصلاح المنظومة التعليمية في مصر التي قام بها خمسة وزراء تتالوا على رأس وزارة التربية والتعليم منذ ثورة يناير 2011، ويعلق المصريون اليوم الكثير من الآمال على الوزير الجديد شغل سابقا منصب رئيس المجلس الرئاسي للتعليم والبحث العلمي وذلك لاضطلاعه عن كثب على مشكلات التعليم. غير أن الخبراء يؤكدون أن إنقاذ التعليم في مصر لا علاقة له بشخص الوزير وكفاءته بقدر ارتباطه بالوضع الاقتصادي للبلاد من جهة وباتخاذ قرارات تقضي بإلغاء النظام التعليمي الحالي برمته. العربأميرة فكري [نُشرفي2017/02/21، العدد: 10550، ص(17)] تطلعات حائرة القاهرة - تسبب الوضع المتردي للمنظومة التعليمية بمصر في إقالة عدد من الوزراء حيث لم يستمر أيّ منهم في منصبه لأكثر من عامين، نظرا لحالة الانهيار شبه الكامل الذي وجدوا عليه المنظومة التربوية بجميع مكوناتها. وتم اختيار طارق شوقي، رئيس المجلس الرئاسي للتعليم والبحث العلمي، لحقيبة التربية والتعليم في التشكيل الوزاري الأخير، ليصبح سادس وزير تعليم بعد الثورة المصرية. لكن السؤال المطروح هل تكفي المهارة والكفاءة والخبرة التربوية وحدها لإصلاح التعليم في مصر في ظل وضع اقتصادي صعب؟ عمل شوقي لسنوات في مجال التعليم كمدير لمكتب منظمة “اليونسكو” في الدول العربية سابقًا، كما أنه لمس عن قرب حالة التدهور التي يعانيها قطاع التعليم المصري، ويحمل وجهة نظر مختلفة عن غيره حول التعليم فهو يقول إن “التعليم أمن قومي، لا يقل أهمية عن المشروعات القومية التي تنشئها الحكومة حاليّا، والاستثمار في التعليم هو السبيل الوحيد لانتقال مصر إلى مصاف الدول المتقدمة”. ويرى الخبراء في التعليم أن شوقي يمكنه تحقيق تحسن نسبي في انتشال المنظومة التربوية من وضعها الراهن، خاصة وأنه كان على مقربة من هذا الملف الشائك، بحكم منصبه السابق في مؤسسة الرئاسة، وكان شريكًا فاعلًا في صناعة القرار التعليمي. وأكدوا على الدور الفاعل الذي يمكن أن يلعبه دعم مؤسسة الرئاسة للوزير الجديد، لأن الرئيس عبدالفتاح السيسي، لا يريد لأحد مستشاريه أن يخفق في الملف الذي يمس غالبية فئات المجتمع، ما من شأنه أن يؤثر على سمعة ومكانة باقي مستشاريه، في حين شدد غيرهم على أن “شخص الوزير” وحده لن يكون كافيًا لإحداث التطوير المستهدف، بل يجب إنهاء المنظومة الحالية بالكامل، واستبدالها باستراتيجية جديدة، تشمل جميع عناصر العملية التعليمية. خبراء يؤكدون أن إصلاح المنظومة التعليمية لا يمكن أن يرتبط بتغيير الوزير، وإنما يحتاج إلى إرادة سياسية ومجتمعية وأشار الخبراء إلى أن شوقي تنتظره تحديات تفوق دعم الرئاسة له، أولها انخفاض ميزانية التعليم التي تحول دون التوسع في بناء مدارس حكومية جديدة بغرض خفض معدلات الكثافة في الفصول. ويطمح الوزير إلى تحقيق تحسن في ملفات أخرى، قد لا تحتاج إلى تكاليف مالية باهظة، وقال في تصريحات لـ“العرب” على هامش أول مؤتمر صحافي عقده الخميس الماضي، إن عليه أن يحقق إصلاح التعليم، بعيدًا عن مطالبة الحكومة بالمليارات، من خلال البحث عن حلول غير تقليدية لتوفير موارد مالية أو إحداث نقلة نوعية في ملفات لا تحتاج إلى المال فقط، مشيرا إلى أن هناك إشكاليات كثيرة تحتاج إلى عقلية متطورة، وإرادة حقيقية، وثورة تصحيح فحسب. وأضاف شوقي أن لديه حلمًا، بأن تعود هيبة المدرسة إلى ما كانت عليه خلال الخمسينات من القرن الماضي، وذلك من خلال إعادة هيكلة المناهج وتطويرها، والقضاء على عقدة كراهية المدرسة بسبب ثقل المناهج، وإلغاء ثقافة الحفظ والتلقين واستبدالها بالفكر والإبداع، حتى لا تكون الشهائد مجرد أوراق يحتفظ بها الطالب دون فائدة. ويراهن وزير التعليم الجديد على تدريب المعلمين وعلى وضع سياسة جديدة للشرح داخل المدرسة، وعلى تغيير شكل الامتحانات جذريًا، مع الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا في التعليم. كما قرر شوقي الاعتماد على فرق من الخبراء في مختلف المجالات، بحيث يتولى كل فريق منها ملفا خاصا يكون صاحب القرار فيه، سواء ما يتعلق بتطوير المناهج، أو صيانة المدارس، أو تدريب المعلمين، أو التحاور مع الطلاب والتعرف على مطالبهم، وبناء على أعمالهم يتم وضع السياسة التعليمية الجديدة، ما يجعل من معاونيه صناع قرار. ويسعى وزير التعليم إلى جعل الطالب ينظر إلى المدرسة باعتبارها “محراب علم”، وليست سجنًا يكبت حرياته وآراءه، لا سيما أن هناك مدارس أصبحت تشبه مدن الأشباح بسبب ندرة الطلاب فيها، وأكد أنه يدرس تخفيف المقررات الدراسية، والتوسع في الأنشطة الرياضية والثقافية التي يحبها الطلاب حسب المرحلة العمرية. حديث طارق شوقي عن أن الرئيس وعده بأن يكون سندًا له ومستجيبًا لكل مطالبه، خفف من وطأة اليأس لدى فئات واسعة من المجتمع المصري، وأعاد الأمل في حدوث نقلة نوعية في التعليم مستقبلًا، لا سيما وأنه صرح مسبقا بأن “هناك توجهًا حكوميّا لدعم المنظومة التعليمية بكل ما يلزم بعيدًا عن طلب المزيد من المخصصات المالية لأن الميزانية لا تسمح بذلك”. وسيكون الوزير الجديد مضطرّا إلى الاعتماد عل موارد أخرى لتوفير ما يلزم من مخصصات مالية لعملية التطوير، حيث أفصح بشكل غير مباشر عن إمكانية “شرعنة الدروس الخصوصية”، التي تلتهم سنويّا نحو ملياري دولار من أولياء الأمور، بحيث يتم الترخيص للمراكز الخاصة، مع فرض ضرائب حكومية عليها تذهب لصالح تطوير التعليم، ويتم ذلك من خلال أولياء الأمور أنفسهم ولكن بشكل غير مباشر. وزير التعليم يسعى إلى جعل الطالب ينظر إلى المدرسة باعتبارها (محراب علم)، وليست سجنًا يكبت حرياته وآراءه وحظي هذا التوجه بتأييد من بعض المعنيين بالتعليم في مصر، لكنه خلق لدى أولياء الأمور تخوفًا من أن يكون مقدمة لزيادة الأعباء المالية عليهم، من خلال لجوء مراكز الدروس الخصوصية إلى تعويض هذه الضرائب من جيوب أولياء الأمور. ولكن خبراء تربويين يؤكدون أن إصلاح المنظومة التعليمية في مصر لا يمكن أن يرتبط بتغيير الوزير، وإنما يحتاج إلى إرادة سياسية وحكومية ومجتمعية في المقام الأول، مشددين على أن هذا الملف الذي أهمل لسنوات طويلة أصبح في حاجة إلى “ثورة حقيقية”، لنسف المنظومة الحالية وتأسيس أخرى، تتماشى مع الوضع الراهن، وتستهدف كل حلقات المنظومة، من طلاب ومعلمين وإداريين ومسؤولين ومناهج وأنظمة امتحانات، علاوة على وضع فلسفة جديدة لإدارة المدارس. وقال طارق نورالدين، الخبير التعليمي، لـ“العرب” إن طموحات شوقي سوف تصطدم بواقع تعليمي مزرٍ، فهناك الملايين من الطلاب لا يجيدون القراءة والكتابة، ولدينا قيادات تعليمية لا تمتلك رؤية حقيقية للتطوير، ومناهج تحتاج إلى ثورة، وكثافة طلابية تعوق التحصيل الدراسي، ومدارس تحولت إلى ساحات معارك بين الطلاب والمعلمين، فضلا عن تدني رواتب العاملين في الحقل التعليمي، وغياب ثقافة الثواب والعقاب. وأضاف نورالدين أن وضع التعليم على “أجندة” أولويات الحكومة يذلل العقبات، ومضاعفة ميزانية الوزارة تمثل إحدى أبرز بوادر النجاح، لأن أي وزير تعليم ستكون أمامه مطالب يعجز عن تلبيتها، وبالتالي فإنه يحتاج إلى مساندة مجتمعية وحكومية مع إشراك أصحاب الخبرة، ممن لديهم أفكار بنّاءة بعيدا عن الاعتماد على أهل الثقة واستبعاد أصحاب الكفاءة.