استمع حسن العديني ليس برومثيوس سارق النار الذي أغضب آلهة الأولمب وانحاز للبشرية وأعطاها، وإنما هو الفتى ذو اللحية التي تمسك بحافة وجهه وذقنه يطل علينا حاملاً قداحة النار غاضباً ومتوعداً. إنها قلة العقل، لأن أحداً لا يمكن أن يصدق بأنه قادر على أن يفعل فوق ما فعل، وأن يشعل أكثر من هذا الحريق الذي يجتاح اليمن لإشباع شهوة السلطة لديه، بلا أساس يدعم الحق فيها سوى مطمع الأئمة، في أن يعودوا بعد أن طوّح بهم الشعب في ثورة عارمة ومجيدة. أراد عبدالملك الحوثي أن يستفز غريزة الانتقام، ويحرض ضد الجيران والأهل جاهلاً متانة الحبل الرابط بين شعوب الأمة العربية، وغير مدرك أن الشعب اليمني يمتلك من الوعي ما يحميه من شرور الدعوات إلى نزعات مقيتة يرى تأثيرها السيئ في الحرب الطاحنة فوق أرضه وبدماء ومقدرات أبنائه، تديرها آلة طائفية لم تستطع إخفاء لونها القبيح بأي ساتر وطني حتى وإن كان فاقع اللون. ومن قبل، قبل أن يتقدم الحوثي نحو العاصمة وأثناء مؤتمر الحوار الوطني رأينا الخطر يتهدد اليمن من ثلاث شُعب، لكن الإخوان المسلمين تراخوا أو أنهم في حقيقة الأمر ذهبوا إلى الضفة الأخرى. ولئن كانت أسبابهم مذهبية بالدرجة الأولى، فقد لقي موقفهم قبولاً وترحيباً من فرقاء العمل الوطني، أمام ما أقدم عليه ضلعا المثلث الآخران من إشعال الحرب في كل أركان، وكل رحاب الوطن العزيز. ولم يكن صادماً ولا غير متوقع هذان الخصمان اللذان جمعتهما في حلف غير مقدس الكراهية لشعب ووطن لا يرتبطان فيه بسبب، ولا يشدهما إليه رجاء، إلا أن ينهبا خيراته. وكان الضلع الثاني عاث ولاث خلال ثلث القرن، حتى أوجب الخروج العظيم المتوج لانتفاضات سابقة، وألزم الشعب أن يرفع صوته بالنداء كفى.. ارحل، لكنه لم يلزم الصمت وإنما خلع عنه الزي المزيف بالانتماء لثورة 26 سبتمبر التي انقضّت على الكهنوت الإمامي، واختار أن يكون جندياً مع عبدالملك، الساعي إلى إحياء إمامة أخرى ببزة إيرانية. إن هذا الضلع الثالث جاء بالوجه البالي نفسه وباللوحة السوداء ذاتها المرفوعة على خشب الادعاء بالانتساب للنبي، وبأن هذا النبي العظيم إنما أراد أن يقيم ملكاً تتوارثه سلالته، وفي ذلك ضلال يقلل من شأن الرسالة التي حملها بالحق والهدى للبشرية كلها. ولقد كان تأكيد الترفع والتنزه من شبهة تأسيس الملك أنه غادر الدنيا وتركها شورى، فتولاها أبناء القبائل الأضعف. والنبي وخلفاؤه لم يحملوا سيف اللهب ولم يلوحوا بالنار لأي بشر، بل كانت حروبهم دفاعاً عن النفس وصداً عن سبيل الله، فإن جنحوا للسلم جنح وألقى السلاح، ذلك أنه بعث رحمة للعالمين لا قاتلاً ولا داعياً بالموت أو للموت. لقد بعث رحمة للعالمين كل العالمين ولم يهتف بشعار الموت لفارس أو بيزنطة، ولا أشهر سيفه على اليهود والنصارى، بل صان حقوقهم وحقوق كل الجماعات في دستوره الصحيفة. لكنه لم يتحمل الخيانة، خيانة الدولة وخيانة الدستور، فاضطر إلى قتال اليهود بعد أن كادوا وتواطؤوا مع الأعداء في غزوة الخندق، ثم ما تلا من مؤامرات ومكائد. كان القوميون العرب يفرّقون بين الحركة الصهيونية العنصرية وإسرائيل الدولة الغاصبة، وبين الديانة اليهودية واليهود كبشر. وهناك الكثير من اليهود الذين يرفضون إسرائيل، وبينهم في الغرب من يتخذ مواقف مؤازرة لكفاح الشعب الفلسطيني، ومناهضة للاحتلال والعنصرية الصهيونية. وقد كان العالم الكبير آينشتاين معارضاً دعوة الحركة الصهيونية إلى إنشاء دولة إسرائيل، ويوم قامت رفض عرضاً من المؤتمر اليهودي أن يكون أول رئيس لها. وليس أشد ضراوة في الحرب على إسرائيل داخل الولايات المتحدة من نعوم تشومسكي عالم اللسانيات الأول في العالم، الذي ما فتئ يحمل لواء الكلمة من أجل أن يقيم الفلسطينيون دولتهم. وهناك مئات وألوف من اليهود يشمئزون من النزعة الصهيونية، ويتطيرون غضباً من نتنياهو وليبرمان وأمثالهما. لهذا لا يغري اليمنيين أن يرفع الحوثي شعار الموت لليهود أو أن يدعو بالموت لأمريكا. إن الاختلاف مع السياسة الأمريكية لا ينفي الإعجاب بحيوية الأمة الأمريكية وتقدير إنجازاتها. لكنه من وحي الشعارات المبشرة بالخراب، خطب الحوثي في ذكرى ثورة 11 فبراير، فهل كان الشعب اليمني حين خرج ذلك اليوم وفي الأيام السابقة واللاحقة يطلب الموت لأحد أم أنه كان يتطلع إلى الحياة، الحياة الكريمة العزيزة؟ كان الشعب يثور ضد الاستغلال والفساد الذي يخلف المهانة والموت، وكان يريد حياة سعيدة يأخذ الناس فيها بقدر ما يبذلون من العرق والجهد، ولم يطلب يومذاك الموت لعلي عبدالله صالح أو أي من صحبه، بل إنه غادر الشوارع عندما وقّع على المبادرة الخليجية التي هيأت له مخرجاً جميلاً. أي شيء إذاً يثير الفزع أكثر من أن نرى القابع في الكهف يلوح بالنار ؟ أي حياة يعد بها الحوثي اليمنيين؟ إنه لم يقل شيئاً عن المستقبل بالأمس واليوم، ولن يقول في الغد لأنه لا حاجة في خياله غير الدماء والأشلاء. ولقد نقول له أن يرمي قداحته وأن يسمع ويفهم ويتخلى عن الأكاذيب والخرافات والشطحات.