حذَّر مختصون من خطورة استغلال الأيتام في جمع الأموال وعمليات الكسب غير المشروع بحجة العمل الخيري، خاصةً في شهر رمضان المبارك، مُشيرين إلى أنَّ هذا الأمر فيه امتهان لليتيم وغمط لحقوقه، مؤكدين على أنَّ ديننا الإسلامي الحنيف أوصانا بحسن معاملته والعطف عليه في أكثر من موضع في القرآن الكريم، لافتين إلى أنَّ كفالة الأيتام ورعايتهم رسالة إنسانية عظيمة أكدت عليها الشريعة السمحة وكافة الدراسات التربوية، فمن الناحية الشرعية، يقول رسول الله -صلى الله علية وسلم- :"أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى"، أمَّا من الناحية التربوية والاجتماعية، فإنَّ كفالة اليتيم تُعدُّ نوعاً من التكافل الاجتماعي المطلوب إذا كانت النوايا والأهداف إنسانية واجتماعية، أما إذا كانت من أجل التكسب وجعل الطفل اليتيم بطلاً لمشهد طلب المعونة أو التسول، فإنَّ هذا قد يجعله يشعر أنَّ حالة اليتم التي يعيشها وصمة عار عليه. كفالة اليتيم وقال "د. خالد بن سعود الحليبي" -مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء- :"تهتم كثير من الجهات بكفالة اليتيم، وهذا واجب شرعي ينطلق من العدالة الاجتماعية والتكافل بين المسلمين"، مُضيفاً أنَّ من حق اليتيم علينا أن نرعاه في مأكله وملبسه وتعليمه، موضحاً أنَّ هذه الحقوق تبدأ بالأقربين، ثمَّ الذين يلونهم، إلى أن يتكافل جميع أفراد المجتمع، مُشيراً إلى أنَّ المشكلة التي قد نقع فيها عند كفالة الأيتام هي شعورنا أنَّ هذه الكفالة مجرَّد تأمين الأكل والشرب. ولفت إلى أنَّ اليتيم يحتاج إلى أبعد من ذلك لبناء شخصيته، لكي يكون عضواً فاعلاً وناجحاً في المستقبل، مضيفاً :"نحن نبني دون أن نشعر أيتاماً فاشلين، حينما نوفِّر لليتيم كل ما يريد دون الالتفات لبناء شخصيته بشكل يجعله إنساناً ناجحاً في الحياة، وهذا يتطلب الاهتمام بالبناء النفسي لليتيم عبر بناء الكرامة في داخله، على أن نُشعره بأن يكون مستعداً لكفاية نفسه من الناحية المالية في المستقبل القريب، بحيث يمكنه العمل بنفسه أو تكون لديه مهنة أو يكون ذا طموح". وأضاف أنَّ اليتيم يحتاج منَّا أن نغرس فيه الشعور بأنَّه سيكون أفضل من غيره في المستقبل، موضحاً أنَّ التاريخ الإسلامي بشكلٍ خاص والعالمي بشكل عام حافل بالعديد من الأمثلة لأيتام أصبحوا من العظماء، مُستشهداً في هذا الشأن بالأئمة الأربعة، إذ أنَّ ثلاثة منهم كانوا أيتاماً، وهم الإمام مالك وأحمد والشافعي، مُبيِّناً أنَّ الإمام ابن تيمية والشيخ ابن باز -رحمهم الله جميعاً- كانوا أيتاماً، ومع ذلك أبدعوا وتميَّزوا بسبب بنائهم القوي. صناعة النجاح وأشار "د. الحليبي" إلى أنَّ هناك من يُشعر اليتيم بيتمه؛ ممَّا يُولِّد لديه شعوراً بالنقص نتيجة أفضال الآخرين عليه، وبالتالي فإنَّه قد يشعر أنَّه مدين لكثير منهم، داعياً إلى التركيز على التعامل مع نفسيَّة اليتيم بحيث نهتم ببناء ثقته بنفسه، وأنَّه يستطيع أن ينجح دون مساعدة الآخرين، وأنَّه يستطيع أيضاً أن يستقلَّ عنهم بمجرد أن يبلغ السن الذي يجعله قادراً على رعاية نفسه، مُشدداً على منحه أدوات النجاح في المستقبل عبر تزويده بالبرامج التي تُقدَّم لصناعة النجاح والتخطيط للمستقبل والبناء المعرفي. وبيَّن أنَّ بعض الأيتام يرثون الفقر؛ لأنَّ بعض الفقراء يشعرون أنَّهم سيظلون فقراء طيلة حياتهم، مُضيفاً أنَّ التعمُّق في حالة الأسر الفقيرة يجعلنا نتأكَّد من هذا الأمر باستثناء بعض الحالات، مؤكداً على أنَّه من المؤلم أن نجعل اليتيم وسيلة لجمع التبرعات أو التسوّل به، مُشيراً إلى أنَّه من الممكن أن نُسوِّق للبرامج والرحلات التعليمية التي تخدم مستقبلهم عبر اليتيم نفسه وليس عن طريق المؤسسة نفسها. سلوك التسوُّل وأكَّدت "منى يوسف" -أخصائيَّة نفسيَّة- على أنَّ وجود اليتيم ضمن مشهد طلب المعونة أو التسوُّل يؤثر عليه بشكلٍ سلبيّ، مُضيفةً أنَّه يوجد في ديننا الإسلامي الحنيف وضمن منهج نبيّنا محمد –صلى الله عليه وسلم- ضوابط محددة لطلب المعونة، موضحةً أنَّ هناك أيضاً آدابا يجب أن تُراعى عند إعطاء المعونة أو طلبها؛ لكي يكون اليتيم فرداً صالحاً ومنتجاً في مجتمعه، مُشيرةً إلى أنَّ سلوك التسول وطلب المعونة أمام الطفل اليتيم أو استخدامه لطلبها سيُرسِّخ لديه مفهوماً بعيداً عن المعنى الأساسي لكفالة اليتيم. وأوضحت أنَّ المفاهيم الأساسيَّة لكفالة اليتيم وُضعت من أجل هذا الطفل القاصر غير القادر على كسب رزقه لوقت محدد، وذلك إلى أن يصل للعمر الذي يسمح له بإعالة نفسه ويصبح إنساناً منتجاً، مُضيفةً أنَّ ترسيخ سلوك التسوّل لديه قد يجعله إنساناً اتكاليَّاً ذا شخصية مهزوزة، مُشيرةً إلى أنَّ المجتمع يتحمل المسؤولية كاملة تجاه اليتيم، مُشدِّدةً على ضرورة عدم تعريضه للمذلة والإهانة، لافتةً إلى أنَّ كفالة اليتيم ليست في إشباع حاجته الغذائية، بيد أنَّها مفهوم واسع يشمل العديد من النواحي التربوية. نظرة قاصرة وأضافت "منى يوسف" أنَّه يجب على كافل اليتيم أن يُؤثِّر في سلوكياته؛ لأنَّ الفقد المعنوي أكثر ما يعاني منه اليتيم، مشيرةً إلى أنَّ البعض يعتقدون أنَّ كفالة اليتيم ورعايته تقتصر على الجانب المالي فقط، موضحةً أنَّ اليتيم بحاجة إلى إشباع في الناحية التربوية والعاطفية حتى يصبح شخصاً ناضجاً وفاعلاً في المستقبل، لافتة إلى أنَّه ترسَّخ لدى البعض فكرةً خاطئةً عن اليتيم تتمثل في العطف عليه والنظر إليه بمنظار الشفقة والرحمة، مُبيِّنةً أنَّ هذه النظرة نظرة قاصرة وسلبية، مستشهدة بقوله تعالي : "فأمَّا اليتيم فلا تقهر". وأشارت إلى أنَّ القهر هنا يكون بإشعار اليتيم بشكل مستمر أنَّه شخص ناقص يفتقد للكثير من الأشياء الماديَّة فقط، مُضيفةً أنَّ في ذلك انتقاصا من آدميته وقدراته وتعطيلا لانطلاقته في الحياة، موضحةً أنَّ على كافل اليتيم ودور الإيواء الانتباه إلى ذلك، داعيةً في الوقت نفسه إلى العمل على بناء الأمل بداخله. معاقبة المتسوِّلين وشدَّد "د. أبو بكر باقادر" -باحث اجتماعي- على ضرورة عدم وضع حالة جميع الأيتام في سلة واحدة، مُضيفاً أنَّ بعضهم لديه عائلة ممتدة تهتم به، كأخواله وأعمامه، كما أنَّ من بينهم من أصبح يتيماً حينما كبر، موضحاً أنَّ للمؤسسات الاجتماعية تأثيرا كبيرا في حفظ ماء وجه اليتيم، مُشيراً إلى أنَّه من المفترض ألاَّ تجبره الحاجة لإهانة نفسه، لافتاً إلى أنَّ استخدامه كوسيلة لاستدرار عطف الناس وطلب المساعدة منهم يحط من قدره ويجعله يشعر أنَّه أقلَّ شأناً من غيره. وأضاف أنَّ ذلك يجعل اليتيم يشعر أنَّ فقد أحد والديه جعله ضعيفاً يعيش على هامش الحياة، موضحاً أنَّ الأمر نفسه ينطبق على استخدام أصحاب العاهات من أجل الحصول على المال، مُشيراً إلى أنَّه من الأولى على المجتمع تعليمه مهنة من المهن أو منحه المساعدة التي تُغنيه عن إهانة نفسه بهذه الطريقة المُبتذلة، لافتاً إلى أنَّ الجميع مُعرَّضون للعيش في جلباب اليُتم، مُبيِّناً أنَّ اليُتم ينقسم لنوعين أحدهما عاطفيّ والآخر ماديّ. ولفت إلى أنَّ اجتماع النوعين في يتيم واحد يجعله يعيش مقهوراً متألماً، داعياً إلى تعاون المجتمع ومؤسساته المعنية لتعويض اليتيم وإبعاده عن هذه الأجواء، مؤكِّداً على أنَّ من أهم أدوار مؤسسات المجتمع المدني أن تكفل لليتيم الحد الأدنى من الحياة الكريمة وأن تساعده على مساعدة نفسه، موضحاً أنَّه قد تمَّ –بحمد الله- الانتباه للأيتام، إذ أنَّ هناك أوقافاً خاصة بهم ومؤسسات ترعاهم، مُشدِّداً على ضرورة معاقبة المتسولين الذين يستغلون ظروف اليتيم للتكسُّب من وراء ذلك. حماية الأيتام وبيَّنت "فوزية الطاسان" –مدير عام جمعية الفيصلية النسائية- أنَّ شهر رمضان يُمثِّل فرصةً سانحةً لتنامي المشاعر الروحية للعديد من أفراد المجتمع؛ ممَّا يجعلهم حريصين على تقديم يد العون لليتيم، مُضيفةً أنَّ اليتيم هنا بحاجة للمساعدة المالية، موضحةً أنَّ طلبها باسمه وتقديمها له أمر جيد، بيد أنَّه من الضروري ألاَّ يكون ذلك مدعاة لاستغلاله من قِبل المتسولين في هذا الشهر العظيم، خاصةً أنَّ الدولة –أيَّدها الله- مهتمة بالأيتام وتدعم الجمعيات في هذا الجانب، مُشيرةً إلى أنَّ هناك أيتاماً يدعمهم الضمان الاجتماعي. وشدَّدت على ضرورة ألاَّ يؤثر طلب المعونة على نفسية اليتيم، مستشهدة في هذا الشأن بقوله تعالى :"فأمَّا اليتيم فلا تقهر"، داعيةً الجهات المعنية إلى إيجاد آلية واضحة تنظِّم طلب المعونات المالية للأيتام، إلى جانب سن القوانين والأنظمة الكفيلة بحماية الأيتام من أيّ ممارسات تؤثِّر عليهم بشكلٍ سلبيّ، لافتةً إلى الدور الكبير والمهم الذي من الممكن ان تلعبه وسائل الإعلام المختلفة في هذا الجانب. كفالة اليتيم نوع من التكافل الاجتماعي.. والكسب غير المشروع يذهب أجرها أهداف نبيلة وأشار "د.عطاالله العبَّار" -استشاري صحة نفسية بوزارة الصحة- إلى أنَّ الأيتام فئة غالية ولها مكانة مميزة في جميع المجتمعات المسلمة، كما أنَّها وتحظى بالتقدير والاحترام والرعاية والاهتمام من جميع أفراد هذه المجتمعات، إلاَّ أنَّه من الملاحظ أنَّ هذا التقدير يتطور في كثير من الأحيان إلى شفقة غير محمودة؛ ممَّا يجعل اليتيم عالةً على مجتمعه، أيَّ أنَّه شخص غير منتج يحظى بالشفقة ليس إلاَّ، مُشدِّداً على أهميَّة ألاَّ تقتصر نظرتنا على الشفقة فقط. وأكَّد على أنَّ اليتيم عضو منتج، مُضيفاً أنَّ هناك كثيرا من الشواهد لأيتام صنعوا التاريخ، وعلى رأسهم نبينا الكريم –صلى الله عليه وسلم- موضحاً أنَّ بعض الجمعيات تستغل الأيتام لتسويق مشروعاتها، مُبيِّناً أنَّ هذا النوع من الاستغلال غير جيد، إلاَّ في حال كان لهذا التسويق أهداف نبيلة تهدف إلى بناء بعض البرامج التي تُنمِّي شخصياتهم وتكسبهم المزيد من المهارات والمعارف التي تفيدهم في حياتهم مُستقبلاً. وأضاف أنَّ العاملين في القطاع النفسي وتنمية المهارات الذاتيَّة يرفضون بشكلٍ قاطع أن يُستغل الأيتام للتسوّل من قبل أفراد أو جهات، مؤكداً على أنَّ هناك حاجة لوعي مجتمعي وتضافر لجهود المربين ووسائل الإعلام المختلفة، بحيث يتم التفريق بين استغلال اليتيم في مثل هذه الأمور، وبين البرامج التي تُطوِّر مهارات ومعارف الأيتام، لافتاً إلى أنَّه من الممكن الوصول إلى مساعدة اليتيم وعدم استغلاله من خلال العمل المؤسسي المُنظَّم.