تحقيق: راندا جرجس مرحلة المراهقة فترة معاناة للآباء والأبناء، وفيها يحاول الوالدان العبور بطفلهما من مرحلة الطفولة للشباب بأمان، بلا مشاكل أو اضطرابات نفسية تؤرقهم في المستقبل، وعلى الجانب الآخر يحاول المراهق تشكيل شخصيته حسب عالمه وأفكاره دون السماح لأحد بالتدخل، ودائماً ما يكون السؤال الأكثر طرحاً من قبل الآباء هو عن كيفية التعامل مع أبنائهم في مرحلة المراهقة وكيف يساعدونهم على اجتيازها بدون مشاكل أو عناء؟ والإجابة عن هذه الأسئلة في سطور هذا التحقيق. تقول الدكتورة حنان حسين استشاري الطب النفسي: لكي نتعامل بصورة صحيحة مع أبنائنا يترتب علينا أولاً أن ندرك ونتفهم خصائص هذه المرحلة التي تتميز بتغيرات فسيولوجية كبيرة في فترة زمنية وجيزة، وتكون عادة مصحوبة برغبة عارمة لدى الفرد لتكوين صورة عن ذاته، ويسعى إلى ذلك معتمداً بشكل كبير على نظرة المحيطين به، وإشاراتهم وتعليقاتهم عليه، لذا يعاني حساسية شديدة تجاه رأي الآخرين فيه حتى وإن أظهر غير ذلك، ويكون المراهق في حالة بحث مستمر من أجل التكوين والتثبت من معتقداته ومُثله ومبادئه واتجاهاته، ولذا نجده في أغلب الأحوال في حالة من التخبط والمجادلة المستمرة، وتتميز هذه المرحلة أيضاً بنوع من الصراع النفسي من أجل الاستقلال، وينظر لنصائح الأهل على أنها تسلط، وتوجيهاتهم تعليمات، والاعتداد بآرائهم انصياع وإذعان أجدر بالأطفال وليس بالبالغين. أساليب تربوية فاشلة تذكر د. حنان بعض الأنماط التربوية المعروفة، ولكنها أثبتت فشلها، ونتيجتها نشوء أجيال غير صحيحة نفسياً، تعاني القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس مع الأسلوب المستبد، اضطرابات السلوك والعشوائية مع الأسلوب المتسيب، وفقدان الانتماء والأنانية والقلق العام مع الأسلوب المهمل، ومن هذه الأنماط:- * النمط المستبد، وفيه يركز الأبوان على التحكم الكامل والدائم في كل صغيرة وكبيرة بحياة الأبناء ولا يتيحون لهم المجال لاتخاذ أي قرار يخصهم، فلا يقوم الأبناء بشيء قبل الحصول على موافقة الوالدين، ويتميز الآباء فيه غالباً بالتشدّد في التعامل مع الأبناء ويمارسون الإشراف المتواصل والمتطرف على الأبناء ويلجؤون إلى تعنيف وعقاب الأبناء كلما لاحظوا عليهم التباطؤ في إنجاز المطلوب أو عدم مطابقته حرفياً للتعليمات المحددة، وبالرغم من أن حبهم للأبناء يكون كبيراً ولكن دائماً هو غير ملفوظ وغير معلن وتكون الاستجابة لرغبات الأبناء منخفضة، وتكون إدارة وضبط الوالدين للأبناء مباشرة وكاملة. } النمط المتسيب المذعن للأبناء، وهو على النقيض تماماً، وفيه لا يمارس الوالدان أية سلطة أو حكم أو تأثير مباشر في الأبناء الذين يعارضون أو يهملون توجيهات أو طلبات الأب أو الأم إذا كانت لا تتفق مع رغباتهم أو حاجاتهم الآنية، ويتميز الوالدان باللين والتساهل والإذعان تجاه الأبناء مع التركيز المبالغ فيه على تقوية تقدير الأبناء لأنفسهم وإنفاق وقت مطول في النقاش والتبرير والمجادلة، ويتسم الآباء من هذا النوع بدفء المشاعر وبذل الحب غير المشروط ولكن إدارة وضبط الوالدين للأبناء مفقودة وتأديبهما نادر. * النمط المهمل الرافض للأبناء، وفيه عادة يتصرف الوالدان بدون مراعاة تذكر لحاجات ورغبات أبنائهم، وكأنهم ليسوا موجودين، وتظهر الفجوة النفسية بين الوالدين والأبناء، نتيجة عدم الاهتمام من الطرفين ببعضهما بعضاً، ولا احترام أو تقدير يذكر، ويكون مسمى الأبوين هنا غير فعلية في الواقع، وتقوم في أفضل الأحوال على التعايش معاً في حياد تحت سقف واحد هو المنزل الأسري. نمط متوازن تشير د. حنان إلى ضرورة استخدام الأسلوب الأمثل والصحيح لتربية الأبناء، ليضمن أن تمر مرحلة المراهقة من دون متاعب، ولفعل ذلك يجب أن نطرح بعض الأسئلة وهي:- * كيف أصادق ابني المراهق وابنتي المراهقة؟ } كيف أشرف وأوجه من دون تسلط؟ } ما هي حدود الحرية الممنوحة؟ } كيف أدعم ثقته بنفسه وكيف أغرس وأقوي فيه مشاعر الانتماء؟ تجيب د. حنان بأن استخدام الأسلوب الديمقراطي العادل، أكثر الأساليب التربوية توازناً، وعلى الوالدين أن يتعاملا مع الأبناء باهتمام وموضوعية، آخذين في الاعتبار المتغيرات الحياتية والتطور الفكري والاجتماعي. } الاستماع للأبناء باهتمام، ومحاوله تفهم منطق الابن من خلال تصور نفسه في مكانه، ومشاركة أبنائهم في اهتماماتهم بقضاء وقت ممتع معاً ويجب هنا التركيز أن يكون الوقت ممتعاً للابن حقيقة، فهذا يوطد العلاقة ويتيح الفرصة للآباء لمصادقة أبنائهم وفهم عالمهم وما يتأثرون ويهتمون به، مع الاستجابة لحاجات الأبناء دون إفراط أو تفريط. } تشجيعهم على اتخاذ القرار مع الوجود والاستعداد دوماً لتقديم المشورة، على الآباء تشجيع علاقات الأبناء مع الأقران والآخرين خارج الأسرة حتى يكتسب الخبرة في التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة، وفي الوقت ذاته يعمدون من خلال الحوارات اليومية معهم إلى مساعدتهم على تقييم هذه العلاقات بأنفسهم وتمييز الجيد من الرديء، وأن يعلموا أبناءهم أن الاعتراف بالحق فضيلة، وجميعنا نخطىء، لتعزيز دور الأبناء في تحمل تبعات أخطائهم وقرارتهم، وأن يكون الإنسان صبوراً في تحمل النتائج، وقوياً في مقاومة تكرار الخطأ، ولا يعني ألا نحاسبهم عند الخطأ، ولكن يكون الحساب بموضوعية ودون تعسف أو مهانة، وأن يصل للمراهق المعاقب أن العقاب بدافع الحب ورغبة في جعله إنساناً أفضل وأنجح، وليس بدافع الغضب ولا رغبة في ممارسة النفوذ والسلطة. } على الآباء الإشادة بإنجازات أبنائهم والافتخار بها والتشجيع على وضع أهداف واقعية والسعي الدؤوب لتحقيقها ومكافأة المراهق على السعي وليس على إدراك النجاح، ويجب أن يحرص الآباء على أن يكونوا مثالاً يحتذى به، فلا يتوقع الأب أو الأم أن يتسم الأبناء بصفات لا يرونها فيهم أو أن يلتزموا بسلوك لا يقومون به، فأبناؤنا أمانة في صغرهم وسنداً في شبابهم، لذا وجب علينا الاهتمام بتربيتهم وتنشئتهم وبذل الوقت والمجهود لذلك. اهتمام ومثابرة يؤكد الدكتور شاجو جورج، اختصاصي الطب النفسي، أن تربية الأبناء ليست بالأمر الهين البسيط، لأنها تحتاج إلى اهتمام ومثابرة وصبر طويل لكي نعبر بهم إلى بر الأمان والسلامة النفسية والبدنية والصحية، فالإنسان ذو الشخصية السوية يعني ويشير إلى التربية السليمة التي تلقاها من أسرته، التي تلعب دورًا مهمًا في تكوين شخصيته وتحديد سلوكه وهو أمر يُدركه جميع الآباء لذا يحاولون تربية أبنائهم ليصبحوا أفضل، ولكن النوايا الحسنة وحدها لا تكفي للتربية السليمة فهناك العديد من الأخطاء التي يقع فيها الآباء وتؤثر في شخصية الأبناء في المستقبل، وعادة ما يرتكبها الآباء بحسن نية ومنها:- } الثناء على جميع التصرفات التي يقوم بها الأبناء، حتى ولو بسيطًا أو بديهيًا اعتقادًا منهم بأنهم يشجعون الطفل على تكرار هذا الفعل ولكن الإفراط في هذا الأمر يجعل الطفل محباً للثناء وينتظر الشكر دائمًا من الآخرين. } مقارنة المراهق بغيره، سواء بأصدقائه أو أقاربه أو أخواته من الأمور التي تشوه شخصية الطفل، وتفقده ثقته بنفسه، وتُشعره بالنقص، فلكل إنسان مهاراته وقدراته الخاصة التي تجعله مميزًا وناجحاً. } استخدام أساليب التوبيخ أو التهديدات، فلا يجب على الآباء مطلقًا أن يُشعِروا المراهق بأنهم لا يحبونه نتيجة تصرفاته، أو جعله يشعر بالذنب نتيجة أي تصرف غير مرغوب قام فيه. } الحماية والتدليل الزائدان، ففي بعض الأحيان ينعكس حب الآباء لأبنائهم في صورة حماية زائدة تجعلهم ينوبون عنه في الأمور التي يفترض أن يقوم بها وحده، خوفاً من أن يصاب بسوء أو لتوفير سبل الراحة له، وبذلك يحرمونه من فرصة اتخاذ قراره بنفسه. } الإهانة اللفظية أو الجسدية، وبالرغم من العديد من التحذيرات المتكررة من خطورة اللجوء إلى السُباب أو الضرب كأسلوب لتقويم سلوك المراهق، إلا أن العديد من الآباء يلجؤون إلى هذه الطريقة التي لا تُساعد على غرز أية قيمة تربوية على الإطلاق. } اختلاف الرأي بين الأبوين، ونجد في العديد من الأسر إذا قام أحد الأبوين بعقاب الابن، يحاول الطرف الآخر التدخل لمنع هذا العقاب أو كسره في غيابه والتكتم على الأمر وهو سلوك تربوي خاطئ يُعلم الكذب والخداع. } عدم الثبات في المعاملة على أسس محددة للتربية والتوجيه وعدم الاتفاق على أساليب الثواب والعقاب على سلوك معين في وقت ما، ومسامحته أو مكافأته على نفس السلوك في وقت لاحق. } عــدم إظهار مشاعر الحنان للمراهق، بالرغم من أنها ضرورية لتشبع احتياجاته النفسية، وتعزز من قوة العلاقة بينهما. } العقاب دون إبداء الأسباب، وهو من الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها الآباء، فعليهم باحترام عقليات أبنائهم. } التربية العصابية، وهي شكوى الأم للأب، أو الأب للمعلم، واجتماع الكل على المراهق، ما يشعره بالإحراج، فيأخذ موقفاً من الجميع. * من الأخطاء التي يقع فيها الآباء أن يمنعوا أبناءهم من اللعب والترفيه أثناء الدراسة ويفرغوهم تماماً للمذاكرة وتحصيل الدروس، وهذا شيء يخالف طبيعة المراهق فهو يحتاج لتفريغ طاقته باستمرار. } الغضب المستمر، ولذلك ننصح الآباء دائماً بسعة الصدر والتعامل مع أخطاء أبنائهم بسياسة النفس الطويل فلا ينبغي أبداً أن يضطرنا أبناؤنا للغضب والصياح. نصائح تربوية ويوصى د. جورج الآباء بضرورة معرفة أن أبناءنا مختلفون، ولكل إنسان شخصيته وطباعه، ولا توجد قاعدة واحدة تناسب الجميع، كما تجب مراقبة الابن وتحديد ما هو الأسلوب الأنسب للتعامل معه، وهناك بعض الأساليب المساعدة مثل:- 1- لا ينبغي الخلط بين الانضباط والعقاب الذي يعتمد على التسبب في بعض الانزعاج، أو الخوف أو الحرمان للمراهق والذي يجبره على القيام بأشياء خاطئة في بعض الأحيان، أما التربية الإيجابية فتهدف لمساعدة ابنك على فهم حدوده وقدراته لتصل معه لمرحلة الانضباط. 2- الصراع على السلطة، والشعور بالاستقلال، وعندما يقول المراهق لا للأب والأم، يحدث الصراع عادة عندما يكون الوالدان صارمين بشدة وغير مرنين، ما يخلق أجواء متوترة بينهما. 3- الانتباه والاهتمام، فهناك فرق كبير بين الاهتمام والتركيز مع الأبناء وخاصة عندما يخطئون التصرف، ولذلك علينا ألا نشعرهم بأننا ندقق على تصرفاتهم بقدر ما نراقبهم من بعيد لضمان أمانهم. 4- قواعد قليلة وواضحة، من الجيد أن تضع لابنك بعض القواعد المهمة حتى يعرف ما عليه أن يفعله وما لا يجب أن يفعله، ولكن لا تجعلها قوانين يختنق منها وبيني بها عواقب يصعب تجاوزها. 5- خيارات متعددة، إن عرض الخيارات المختلفة على المراهق يعطيه إحساساً بالاستقلال ويساعده على القيام باتخاذ قرارات. 6- لا تستخدم العقاب البدني إطلاقاً، فلا فائدة منه في التربية ولا يترك سوى المشاعر السلبية وبناء الفجوات في علاقتكما. مراهقة بلا معاناة أظهرت دراسات حديثة أن نصف من يصابون من الناس باضطرابات نفسية تبدأ أعراض الإصابة بها عند بلوغهم سن 14 عاماً، وإذا حصل المراهقون ممّن يعانون من مشاكل في الصحة النفسية على ما يلزمهم من رعاية، فإن ذلك يمكن أن يحول دون وقوع مشكلات صحية بينهم ويجنّبهم معاناة تدوم طوال حياتهم.