واشنطن: محمد علي صالح اليوم، يوم كذبة أول أبريل (نيسان). ليس يوم عطلة، ولكنه يوم ترفيه في صورة مقالب وأكاذيب بريئة. عادة غربية عمرها سبعمائة سنة تقريبا. وحديثا، انتشرت في بقية العالم، بفضل الصحف والإذاعات والتلفزيونات والفضائيات والإنترنت. لكن، لم يعد الغربيون (والشرقيون) يحتفلون بيومين لهما صلة وثيقة قديمة بيوم الكذب حيث كانت الاحتفالات الصاخبة تخص يومين أولهما يوم وصول الشمس إلى خط الجدي والآخر يوم وصول الشمس لخط الاستواء، أطول يوم وأقصر يوم في السنة. اليوم الأول أطلق عليه يوم الإله «سيبيل» اليونانية القديمة: رمز المرأة الأجنبية التي دخلت أثينا على ظهر أسد وهي حامل، ولا يرافقها رجل. ويصادف هذا اليوم يوم الحادي والعشرين من مارس (آذار)، يوم تصل الشمس إلى خط الاستواء، إيذانا بنهاية الشتاء وبداية الربيع في نصف الكرة الأرضي الشمالي. وكان يوم صيام، ويتميز بالعطف على الأجانب والأجنبيات، والغرباء والغريبات، والحوامل من دون رجال يرافقهن. ثانيا: «يوم الأغبياء»، وهو أيضا يوناني قديم. وكان يحتفل به يوم الحادي والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، يوم تصل الشمس إلى خط الجدي، يوم منتصف الشتاء، وأقصر يوم في نصف الكرة الأرضية الشمالية. كان هذا اليوم يخلط بين الاحتفالات والسخافات. مثل: حفل صاخب في كنيسة، يخلع كبير القساوسة، وينصب رجلا من الشارع مكانه، بينما يلبس الناس أقنعة تخفي حقيقتهم. ولكن تلك الاحتفالات اختفت وحل محلها يوم أول أبريل الذي تخلى عن الحفلات الصاخبة وأصبح يوما للخدع البريئة، من دون احتفالات، ومن دون صيام. (ما عدا في بعض دول أميركا اللاتينية، حيث توجد تقاليد كاثوليكية عريقة وقوية). لكن الروائي البريطاني جيفري تشوسار قال في كتابه «كانتربري تيلز» (قصص كانتربري) الذي صدر عام 1392 (قبل مائة سنة من اكتشاف أميركا) بأن يوم كذبة أبريل نفسه كذبة. وذلك لأن الإنجليز في ذلك الوقت خلطوا بين بداية الربيع (وصول الشمس إلى خط الاستواء)، في الحادي والعشرين من مارس، ويوم الاحتفال بزواج الملك ريتشارد الثاني، في الأول من مايو (أيار). هذه السنة، في عصر الإنترنت، صارت كذبة أبريل إلكترونية. بداية بشركة «ليفر» (الكبد) الجديدة التي قدمت نفسها كموقع «حفل إلكتروني لا ينتهي». ووزعت دعايات وقمصان وبوسترات وملصقات. ونقلت الخبر تلفزيونات وصحف أميركية رئيسة. وخلال ساعات قليلة، انهمرت عليها عروض مستثمرين صدقوا ما قرأوا، وحلموا بأرباح لا تنتهي. لكن، لم تكن «الشركة الجديدة» إلا واحدة من أكاذيب أبريل في «سيلكون فالي» (وادي الكومبيوترات في ولاية كاليفورنيا). وقال براندون بروك، مهندس كومبيوتر في نيويورك، واشترك في الخدعة: «كنا نشرب ونتحدث. وسأل واحد: هل عندكم فكرة مجنونة بمناسبة يوم كذبة أبريل؟ لكن، طبعا، في عصر الإنترنت، كل شيء فكرة مجنونة». وأمس، كتبت كاتلين ديوي، محررة الشؤون الثقافية في صحيفة «واشنطن بوست»: «في عصر الإنترنت، صار كل يوم يوم كذبة أبريل». ولهذا، بدأت أكاذيب أول أبريل قبل أول أبريل. في صورة أخبار في مواقع في الإنترنت: - «مارك توتي، رئيس وزراء هولندا، يصل إلى البيت الأبيض بدراجة لمقابلة الرئيس أوباما». (إشارة إلى كثرة الدراجات في هولندا). - «أخيرا، العثور على الصندوق الأسود في الطائرة الماليزية في أعماق جنوب المحيط الهندي». - «رئيس كوريا الشمالية يقص شعره مثل الخنافس، ويأمر كل شخص في كوريا الشمالية بأن يفعل نفس الشيء». - «عن طريق الخطأ، بنك يضع ثلاثين ألف دولار في حساب صبي. والصبي يصرفها خلال أيام». - «مطعم يقدم مشروب شوكولاته مخلوطا بنبيذ لكل من يشتري وجبة». في الحقيقة، الخبران الأخيران ليسا من أكاذيب أول أبريل. إنهما خبران حقيقيان. وعن هذا قال براندون بروك، صاحب شركة الإنترنت الوهمية: «في هذا العصر الكومبيوتري المجنون، لم نعد نعرف الخبر الصحيح من الخبر الكاذب». في منتصف شهر مارس الذي انتهى أمس الاثنين، وقبل أسبوعين من أول أبريل، نشرت الأخبار الآتية في الإنترنت: - وفاة ويل سميث (النجم السينمائي الأسود). - اختراع ماكينة تصنع النبيذ من مسحوق في ظرف. - موقع «فيسبوك» يشترى موقع «تويتر» بمائة مليار دولا (إشارة إلى شرائه موقع «واتسآب» بعشرين مليار دولار). وشملت الأكاذيب شرائط فيديو: - فيديو فتاة تجن لكثرة استعمال «تويتر» وتنتحر بإشعال النار في نفسها. - «فيديو مسافر يشتبك داخل طائرة مع المخرج التلفزيوني يالان غيل». - «فيديو جرسونة اشتكت بأن الزبائن لا يقدمون لها بقشيشا عندما يعرفون أنها مثلية» (انهارت التبرعات عليها، ووصلت إلى عشرين ألف دولار). - «فيديو مشردة في شوارع هوستن (ولاية تكساس) لا تملك مالا لتأكل» (انهارت التبرعات عليها، ووصلت إلى ستين ألف دولار). وبمناسبة يوم أول أبريل، ظهرت فيديوهات «حقيقية»، لكنها، طبعا، ليست كذلك: - «فيديو غرباء يقبلون بعضهم البعض في الشوارع» (ليسوا غرباء). - «فيديو مراهقين يصيرون بليونيرات بعد أن اخترعوا تكنولوجيا جديدة في الإنترنت» (لم يخترعوا أي شيء). وكتبت كيتلين ديوي: «ليست المشكلة في كثرة الأخبار والصور والفيديوهات غير الصحيحة في الإنترنت. المشكلة هي أن كثيرا من الصحف والتلفزيونات المحترمة والتقليدية تصدقها وتنشرها».