×
محافظة المنطقة الشرقية

جائزة الشيخ محمد بن صالح بن سلطان تمنح لمديري التعليم وتكرّم أولياء الأمور المتميزين

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي زيارتي إلى المنطقة الشرقية متقطعة، لا أحضرها إلا نادراً، إما لحضور فعالية اقتصادية أو مشاركة في مؤتمر، ومرات عدة حينما أسافر إلى البحرين تكون محطة عبور فقط، وفي كل المرات لا أجد متسعاً من الوقت للسير في شوارعها وطرقاتها والمرور بمدنها ومحافظاتها، مع أن لي أصدقاء وزملاء كثيرين أسعد بمقابلتهم ولقائهم، إلا أن قصر مدة الإقامة التي لا تزيد على يومين أو ثلاثة فأمضي جل وقتي منشغلاً في المؤتمر أو المناسبة التي دعيت من أجلها، وحينما يأتي ذكر المنطقة الشرقية يتبادر إلى الذهن في شكل تلقائي مدينة النفط وآباره. ويطلق الخبراء الاقتصاديون على المنطقة الشرقية بأنها مدن النفط، وهي أكثر منطقة يوجد بها نفط في العالم، ويتبادر إلى ذهنك أيضاً أول جامعة للنفط في السعودية والخليج والهيئة الملكية في الجبيل، وأحد أكبر الشركات البتروكيماوية على الإطلاق «سابك»، وتعود بالذاكرة إلى العائلات التجارية في المنطقة: الراحل عبدالعزيز القصيبي صاحب الإمبراطورية الصناعية في المنطقة وأحد أشهر تجارها، وتستذكر أسماء تجارية أخرى عُرفت في المنطقة مثل: عائلات النمر، المهيدب، المعجل، الخضري، الجشي، والمطرود وغيرها. في مخيلتي أن المنطقة تطورت وأصبحت مدن الأثرياء والأغنياء، وتوقعت أنني سأرى بنايات شاهقة وشوارع وطرقات وجسوراً متعددة. قطعت السيارة التي أقلتني من مطار الدمام إلى مدينة الخبر، وطوال مدة الرحلة التي استغرقت ساعة ونصف الساعة. ومن شدة الزحام كنت أمد بصري إلى مسافات بعيدة وعن يميني ويساري لعلي أبصر مشروعاً أو منجزاً لافتاً. كنت أحمل في مخيلتي صوراً جميلة لها، وهي المنطقة الثالثة في ترتيب المناطق من حيث الكثافة السكانية، إنما صُدمت لأني لم أرَ سوى بيوت قديمة ومباني قليلة ومساحات فضاء داخل النطاق العمراني. لم تشدني مبانٍ جديدة أو طرقات أو جسور، كما رأيتها قبل أعوام، هي كما هي. في زيارتي الأخيرة قبل شهر للمشاركة في منتدى أرامكو السعودية الرابع للاتصال، اقتنص الزميل والكاتب الاقتصادي فضل البوعينين بعض ساعات الاستراحة واصطحبني بسيارته إلى بعض الأماكن والشوارع في مدينة الخبر. لم أتوقف عن الحديث منذ أن صعدت سيارته، شملت الرحلة: الخبر القديمة والأحياء الجديدة شارع الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهي - كما يسميها الزميل فضل - «بيفرلي هيلز الخبر» وهي أحد المخططات الراقية والمناطق الارستقراطية. وانتقلت رحلتنا إلى المرفأ القديم، وأخبرني مرشدي السياحي الموقت، أنه كانت تبحر منه السفن نحو البحرين محملةً بالركاب والبضائع، وهو خط ملاحي للسفن التقليدية. ومررنا على شارع الملك عبدالله، وهذا الشارع صُمم منذ نشأة الخبر بعرض يزيد على 80 متراً تقريباً، وقتها انتقد الناس رئيس البلدية لمبالغته في تخطيط الشارع، إنما اليوم هو أهم الشوارع التي تفك اختناقات مرورية، وهناك حاجة إلى مثل هذا الشارع. حينما تسير في شوارع الخبر تشم رائحة البحر وغواصي البحث عن اللؤلؤ، يتهادى على مسامعك صوت البحر ومركب النواخذة وصيحات صيادي السمك وبيوت الطين. والحقيقة وجدت الكثير من البيوت القديمة التي لا تزال موجودة، توقفنا بالسيارة عند مدخل «الراشد مول»، واقترح الزميل فضل أن نشرب بعض القهوة ونكمل حديثنا، إلا أنني طلبت منه استكمال رحلتنا بالسيارة، فالمدن السعودية تشتهر بالمولات ومراكز التسوق. مررنا بفندق ميريديان والقصيبي أول الفنادق في المنطقة، كما قال لي زميلي، واختتمنا رحلتنا بالمنطقة التجارية ذات الطابع الحديث القريبة من الكورنيش، وأدينا صلاة المغرب في مسجد الكورنيش، وهو مسجد مفتوح. ثم عدنا أدراجنا إلى الفندق، إذ كان موعد أحد البرامج التي نظمتها أرامكو قد اقترب. إنما خلال الجولة التي استمرت مع الزميل فضل البوعينين زهاء ساعتين، كنت أسأله كزائر: لم ألحظْ أي تغيير في المنطقة.. فهل تلمسه أنت كأحد أبنائها؟ فقال لي صديقي: إن المنطقة عاشت فترة ركود طويلة وسبات عميق في مشاريعها، بعضها بيروقراطية وبعضها تحديات بين رجال الأعمال، وبعضها قوانين. لم تعمل الجهات المختصة على تفعيل جذب استثمارات محلية أو أجنبية، سألته عن الخلاف القائم بين عائلة الصانع والقصيبي وكيف لم تستطع البيوت التجارية في المنطقة حلها؟ ألمح لي الزميل إلى أن القضية شائكة، وفيها أطراف أخرى، إنما يفترض أن تحل هذه القضية بتدخل الجهات المعنية، ولم يرغب في أن يكمل. لم تتوقف أسئلتي إلى الكاتب الاقتصادي الذي يكتب أسبوعياً في صحيفة «الجزيرة» السعودية وهو مصرفي أيضاً، إن كانت «أرامكو» أو «سابك» أسهمتا في بناء ثقافة اقتصادية أو سلوك اجتماعي في المنطقة؟ لا، طبعاً هكذا قال لي فضل، هاتان الشركتان لهما إسهامات في المسؤولية الاجتماعية، وبقية تنظيماتها الإدارية كلها داخل إطار الشركة ومقرها الرسمي وفروعها، أما خارج حدودها فالجميع ينتمون إلى المجتمع الكبير وهو المنطقة الشرقية. أهالي الشرقية يواجهون مشكلة شح الأراضي لإقامة مشاريع سكنية، مع إنهم يرون مساحات الأراضي إلا أنها تخص «أرامكو» وجهات حكومية. كان يمكن للمنطقة الشرقية أن تكون درة الخليج بمشاريعها التنموية وإحدى المدن النموذجية، نطلق عليها الذكية، لكونها تضم مدن النفط، وحتى تحسن مستوى المعيشة لمواطنيها، وأحد النماذج العالمية لأهالي مدن النفط، إنما استغربت أنها لا تختلف عن بقية المدن السعودية التي تعاني من اكتمال مشاريعها وتعثرها. المنطقة الشرقية منذ افتتاح جسر الملك فهد الذي يربط ما بين السعودية والبحرين وهي مشغولة في حصد عدد من غادر منها وكم عاد إليها، والمسؤولون ينتظرون نهاية الأسبوع ليمضوا عطلتهم الأسبوعية، أما مطاراتها وشوارعها فتحولت إلى «ترانزيت» في انتظار موعد السفر إلى البحرين. لهذا كانت تنمية المنطقة همهم الأخير.     * إعلامي وكاتب اقتصادي. jbanoon@