الدول الغربية تغيير سياساتها تجاه ليبيا عامة، وحفتر بشكل خاص، من أجل المصلحة المتمثلة في ملف الهجرة غير الشرعية، الذي يؤرق الأوروبيين. العرب [نُشرفي2017/02/16] الغرب يسارع إلى التقارب مع حفتر مخافة استحواذ روسيا على الرجل طرابلس (ليبيا)- خليفة حفتر (74 عاما)، الذي لم يعترف به الغرب قائدا للجيش الليبي حتى بعد أن منح هذا الغرب الشرعية إلى مجلس النواب المؤيد له، ها هو اليوم يصبح المحور الأساسي لتصريحات واجتماعات وتحركات الغرب بشأن ليبيا، بعد أن بسط نفوذه على معظم أرجاء إقليم برقة (شرق)، إضافة إلى مناطق في الغرب. تغير سياسات الدول الغربية تجاه ليبيا عامة، وحفتر بشكل خاص، محوره الأساسي هو المصلحة المتمثلة في ملف الهجرة غير الشرعية، الذي يؤرق الأوروبيين، لاسيما وأن ليبيا من أهم بلدان العبور للمهاجرين غير الشرعيين نحو دول الاتحاد الأوروبي عبر البوابة الإيطالية. التحالف مع حفتر، أو على الأقل محاولة إرضائه، يتجلى من خلال ما يبدو أنه صراع بين روسيا، التي تدعم الرجل بشكل مطلق، والاتحاد الأوروبي، الذي بات يُسمي قوات حفتر بـ"الجيش الوطني الليبي"، بعد تقدمها في مدينة بنغازي (شرق). وتلك مغازلة أوروبية واضحة لحفتر، لأن كفته رجحت حينها على كفة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، قبل أن تتمكن قوات البنيان المرصوص، الموالية للحكومة، من هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت، وطرده من مساحات واسعة سيطر عليها وسط ليبيا. ومنذ مايو 2014، تقاتل قوات حفتر في بنغازي، لاستعادتها من تحالف مشكل من مجلس شورى ثوار بنغازي وتنظيم أنصار الشريعة، وعناصر من داعش، وتمكن حفتر من السيطرة على مناطق واسعة من المدينة، إلا أن أحياء وسط البلدة القديمة لا تزال تحت سيطرة خصومه. حفتر يعلم جيدا أن الأميركيين والبريطانيين ينظرون له على أنه رجل يحمل فكرا قوميا عروبيا، وهي النظرة نفسها التي يحملونها لبقية عناصر الجيش الذي يقوده علاقة الغرب وحفتر التغير في حسابات ونظرة الغرب لحفتر بدأ يظهر بعد الانتصارات العسكرية التي حققتها قواته خلال الأشهر الماضية، وأفضت إلى توسيع مناطق سيطرته ونفوذه، حيث استعاد أحياء في بنغازي، ومنطقة الهلال النفطي (شمال شرق)، وقاعدة براك الشاطئ الجوية شمال مدينة سبها (جنوب). ذلك التقدم جعل الاتحاد الأوروبي يشيد، في بيان رسمي له في نوفمبر الماضي، بما قال إنها انتصارات الجيش الوطني الليبي. وهذه هي المرة الأولى التي يصف فيها الاتحاد قوات حفتر بالجيش الوطني الليبي، رغم تبعيته لمجلس النواب، الذي يرفض الاعتراف بحكومة الوفاق، كما ينص اتفاق سلام الصخيرات 2015، حيث يطالب المجلس بتعديلات على الاتفاق، يتعلق بعضها بصلاحيات المجلس الرئاسي، ومنصب القائد الأعلى للجيش وصلاحياته، وهو مطلب يبدو مرتبطا بوضع حفتر مستقبلا. والبيان الأوروبي حمل اعترافا آخر بوصف الجماعات التي تقاتلها قوات حفتر في بنغازي بأنها "إرهابية"، وذلك في فقرته التي قال فيها إن الاتحاد "يدعو جميع الليبيين إلى الوحدة في الكفاح ضد الإرهاب". وضمن إعادة الحسابات، رحب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بليبيا، مارتن كوبلر، بتقدم قوات الجيش الليبي في بنغازي، في يناير الماضي. وذلك التغير في الموقف الغربي من حفتر بدأ حينها من المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا في ذلك الوقت، جوناثان وينر، حيث أشاد بما أسماها "تضحيات جنود الجيش الوطني الليبي في مكافحة الإرهاب في بنغازي". صراع غربي روسي والتغير في الموقف الغربي تجاه حفتر تصاعد أكثر بعد تحول الصداقة بين حفتر وروسيا من مجرد زيارات أجراها لموسكو إلى اعتراف معلن تمثل في استقبال المشير حفتر بمراسم رسمية على ظهر ناقلة الطائرات الروسية ادميرال كوزنيتسوف، التي رست قبل شهرين شرقي ليبيا، وجرى حينها توقيع مذكرة تعاون بين الطرفين. وبعد هذا اللقاء تسارعت وتيرة تقارب الغرب مع حفتر، مخافة استحواذ روسيا على الرجل، الذي أصبح يُعتمد علية كحليف قوي، في حين اتضح أن رهان دول الاتحاد الأوروبي على التحالف مع حكومة الوفاق، التي لم تتمكن من بسط سيطرتها حتى على العاصمة (التي تشهد ارتفاع في معدل الجريمة وصراع بين كتائب مسلحة)، مثار جدل. وفي إطار مساع الغرب للتقرب من حفتر، دعا وزير الخارجية البريطاني، وريس جونسون، قبل أيام، إلى إشراكه في الحكومة، وأعلنت إيطاليا، المستعمر السابق لليبيا، عزمها فتح قنصلية لها في الشرق الليبي، الخاضع لسيطرة قواته، إضافة إلى عرضها معالجة جرحى قواته المصابين خلال مواجهات مع مناهضين له. الصراع الروسي الغربي لكسب ود من يملك القوة في ليبيا له أسباب واضحة جدا، فدول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها إيطاليا، تسعى إلى إيجاد حليف قوي في ليبيا، التي تعتبر نقطة عبور الأفارقة المهاجرين إلى القارة الأوروبية، على أمل القضاء على هذه الظاهرة. بينما تسعى روسيا إلى الحصول على ذلك الحليف، على أمل زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وإيجاد موطئ قدم لها في البحر المتوسط. وهي مصالح يرى الطرفان المتنافسان أن حفتر يستطيع تحقيقها. حفتر سيختار روسيا تلك الأحداث المتسارعة في المعطيات، والبطيئة في النتائج، تطرح تساؤلات منها هل المشير الليبي قادر على كسب المعسكرين الغربي والروسي معا؟ وفق نعيم الغرياني، أستاذ العلوم السياسية في جامعات ليبية، فإن "الحفاظ على المعسكرين معا أمر صعب جدا"، مرجحا، أن "يختار حفتر المعسكر الروسي لأسباب عدة". أول هذه الأسباب، بحسب الغرياني، هو أن "حفتر أساسا لا يثق في الغرب، فسبق وأن أدلى مرارا بتصريحات ضد الحكومة الإيطالية، كما أن حليفه الأساسي عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب في مدينة طبرق سبق وأن انتقد بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية أيضا، وذلك ربما لكسب الروس فقط". وبالنسبة له فإن "حفتر يعلم أن دول الغرب لا يمكن ضمانها، ولا ضمان استمرار التحالف معها، وهو ما يتجلى حاليا بتخليها البطيء عن حكومة الوفاق التي سبق وأن دعمتها بقوة، لصالح التقرب حاليا من المشير، وبالتالي فهو ليس غبيا، ويعلم جيدا أن العلاقة مع الغرب أساسها المصالح".كما أن حفتر، وفق الغرياني، "يعلم جيدا العلاقة غير الجيدة بين الأوروبيين والروس، ولن يخاطر بقبول التقرب من المعسكر الأوروبي المنافس للروس الذين كانوا أول من دعموه سياسيا وعسكريا". وأخيرا، فإن "حفتر يعلم جيدا أن الأميركيين والبريطانيين ينظرون له على أنه رجل يحمل فكرا قوميا عروبيا، وهي النظرة نفسها التي يحملونها لبقية عناصر الجيش الذي يقوده، والذي يعتبر امتداد وبقايا من جيش القذافي (القومي)، وبالتالي هم، واشنطن ولندن، ضد دعم جيش ذو عقلية قومية يؤمن بضرورة توحيد الجيوش العربية، والقضاء على إسرائيل، الطفل المدلل لواشنطن"، بحسب الأكاديمي الليبي. التغير في حسابات ونظرة الغرب لحفتر بدأ يظهر بعد الانتصارات العسكرية التي حققتها قواته خلال الأشهر الماضية، وأفضت إلى توسيع مناطق سيطرته ونفوذه الأسد والسيسي وحفتر معطيات الأكاديمي الليبي ليست محض تخمينات، فهي، على حد قوله، "معلومات موثوقة حصلت عليها عبر لقاءات غير رسمية مع مسؤولين أميركيين وبريطانيين في تونس أكدوا لي أن واشنطن لا يمكن أن تدعم جيش حفتر فعليا.. حفتر يعلم ذلك، وبالتالي لن يعول على المعسكر الغربي أو الأميركيين". الغرياني يرى سبابا آخر يرجح كفة موسكو بالنسبة لحفتر، وهو أنه "إذا نظرنا إلى سياسة روسيا في الشرق الأوسط فسنجد أنها تدعم بقوة كل الأنظمة الشمولية العربية، مثل نظام بشار الأسد في سوريا، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وأخيرا دعمها للمشير حفتر، وهم ثلاث رجال يمثلون سياسات شمولية في دولهم". لن يعادي الغرب ورغم كل تلك الأسباب، التي ترجح احتمال جنوح حفتر نحو المعسكر الروسي، إلا أن الأكاديمي الليبي يرى أن "حفتر لن يعادي الغرب، لأنه يطمح إلى حكم ليبيا، وحينها سيكون بحاجة إلى المجتمع الدولي للاعتراف به والتعامل معه، فالعالم ليس روسيا فقط". ومتفقا مع الغرياني بشأن احتياج حفتر للغرب، قال المحلل السياسي الليبي، فتحي داوود، إن "حفتر سبق وأن حاول حكم ليبيا عن طريق إعلان مجلس عسكري يقود البلد بديلا عن المؤتمر الوطني السابق، ومجلس النواب المتصارعين على السلطة، لكن ذلك فشل". وختم حديثه بأنه "سبق لحفتر، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ووزير الخارجية بالحكومة المؤقتة، غير المعترف بها دوليا، محمد الدايري، الجلوس مع مسؤولين روس وأميركيين، وأكدوا لهم أن فكرة المجلس العسكري لحكم ليبيا لن تنجح، لأن تلك الدول لن تعترف بهم إن طبقوها".