صحيفة وصف : خالد السيف مَن تمكّن من «عاطفته» وتغلّب تالياً على عاصفتها وهو يقرأ – على نحو راشد – مُخرّجات ما سُمّي بـ «الربيع العربي» سيجد نفسّه دون إبطاءٍ وهو يُردد معي بصوتٍ مرتفعٍ لا «بحّة» فيه: لا لتغيير الأنظمة.. ونعم لتغيير الذهنيات! لا للثورة على «الحكام» نعم للثورة على «العقول»! لا لاقتلاع مَن في «الكراسي» ونعم لانتزاع ما في «الرأسِ»! ذلك أنّ واقعنا العربي لم يتهيأ بعْدّ إلى أيّ ممارسةٍ «ربيعِيّةٍ» يَجرى استنساخَها من تجارب ليست تُشبهنا لا في التكوين ولا في «المناخ» ولا في عِوج «التضاريس» وأمْتِهَا، ما يعني أنّ هذا «الواقع العربي» ليس في المرحلة هذه بكبير حاجةٍ إلا إلى تغييرٍ من شأنه أن يطال «الذهنيات» بنحوٍ من تحوّلٍ تدريجيٍّ يدفعُ بالاتجاه الصحيح إلى حيثُ يجبُ أن يكون التأسيس لـ (عقليةٍ جديدة) من شأنها – هي الأخرى – أن تُجبرنا على الجرأة – من غيرِ مواربةٍ – بإعادة النظر في جملةٍ كبيرةٍ من مفهوماتٍ كانت قد تغلغلت في تفكيرنا – ولم تزلْ بعْد تتغوّل -؛ إذ ضربت بجذورها في رؤيتنا لكلّ الأشياء التي من حولنا حتى انتهينا إلى حالةٍ مزريةٍ لم نتمكّن معها من أن نُميّز ما بين أسود وأبيض وما بين غثٍ وسمين!! ما جعلنا – من بين الأمم كلّها – نتنافس «عربيّاً» على أذيّة أنفسنا بأنفسنا فبتنا نتسابق على تدمير مؤسسات «الوطن» ونُسارع إلى عرقلته تنمويّاً وننشط في التوكيد على أنّنا «متخلّفون» وكأنّنا لم نُخلق إلا ليُضرب بنا المثل على النكوص/ والتّخلف!! فيما آخرون على الضفة الأخرى من أبناءِ جِلدتنا ليس لهم من شُغلٍ سِوى «التّحريش» بيننا بأدواتٍ هي الأخرى لا ينتج عنها إلا الاستهانة بـ «الأرواح» وإلا الاسترخاص لـ «الدماء»، لبّس عليهم الشيطان «مقاصدهم»؛ إذ صرفهم عن شطر القبلة يبتغون عرض هذا الأدنى ويقولون سيُغفر لنا!!. ومهما تكن المآلات التي انتهت إليها «الثورات/ عربياً» فإنها ما لبثت أن أسفرت يوماً من بعد آخر عما نتمتع به من غفلةٍ في الصالحين وسذاجةٍ في المتدينين وحماقة في «المتلبرلين»، ما يستوجب إعادة النظر في أهليّة مَن يتصدّر المشهد «الثوري» بدعوى العناية بفقه أسئلتها لدى فئةٍ وبدعوى الكشف عن منتهزيها لدى فئة أخرى!! لعله ليس ثمّة من خلافٍ في أن التغيير في «الذهنيات» والاشتغال مِن ثَمَّ على تأسيس «عقلٍ جديد» هو أعسرُ بمراتٍ من العُسْر نفسه غير أنّ هذا لا يُعفِي «الفقيه» ولا «المفكر» ولا «المثقف» ولا «المصلح» من المسؤولية التي تُناط بهم جميعاً وتجعلهم إزاء فرضٍ عينيٍّ شاقٍ جراء وعورة مسالكه/ وعلله ذلك أنهم سيجدون أنفسهم في حربٍ «مقدسة» مرشحة لأن تطول في معارك شرسةٍ مع تقاليدٍ/ وأعراف ما أنزل اللهُ تعالى بها من سلطان، وليس عليها من العقل الصريح برهان! وبمعنىً أكثر شفافيةً يمكن القول: إنّه من السّفه معرفياً الاعتقاد بما يُمكن أن يحدث من التغيّر «السريع» الذي سنظفر به عربيا – وسيكون إلى الأفضل – إذا ما تغيّر «الحكام» على حين أنّ «الشعوب» هي «الشعوب» باقيةٌ على ما كانت عليه من ذي قبل! إذ ما فتئت تُزكّي نفسها بضروب من وهم «التميّز»، وها نحن قد ألفيناها تتمتع – وتُفاخر – بما هي عليه من «عقل» وما انطوت عليه من «ذهنيّة» وما استودعته من كتب «تراثية» تفتقر جملة كبيرة منها إلى فحصها/ والنقد لها على هديٍ من الكتاب والسنة الصحيحة.! متى نفقه – يا سادة – بأنّ «الشعوب» هي بأمس الحاجة إلى أن تثور لا على «الحكام»، وإنما على «نفسها»؛ ابتغاء أن تُعيد صياغتها من جديدٍ على نحوٍ من الرّشد عقلاً/ وفقهاً وتراثاً وإدارة شؤون حكمٍ وتعليماً واقتصاداً و.. و.. ذلك أنّه من باطل القول الزعم بأن الشعوب ستتغيّر لما هو أحسن جراء أنها تمكّنت بفهلوةِ «فوضى خلاقّة» فغيّرت «حُكّامها»!! وما لبثت أن عادت إلى ما هو أسوأ مما كانت عليه قبلاً!!… وليس بخافٍ أنّ التغيير – وَفق منهجٍ سُننيٍّ – إنما يرتبط أولاً بوعي الشعوب المؤسس على إرادتهم كما وكّد على ذلك القرآن في أكثر من آية.! ولن أجافي الحقيقة – فيما أظن – إذا ما قلتُ: إنّ المسألة تكمن في «الشعوب» ليس غير؛ إذ ليست مشكلتنا الكبرى – وحسب – في «الحكام» بحسبانهم لم يهبطوا علينا من كوكبٍ آخر! فنحن ولا ريب ممن أسهم في صناعتهم على النحو الذي غلونا فيهم حتى انتهوا إلى ما هم عليه!! إنه «وعي الشعوب» وما بين يدي هذا الوعي تكمن «المسؤولية الفردية» في تفاصيل أبان عنها الإسلام في جملةٍ من نصوصٍ مستفيضةٍ ليس هذا أوان بسطها.. والمؤكد أنّه من السهل صناعة أيّ فوضىً بدعوى «الثورة» لإزاحة أيّ «حاكم»، وإنما الصعوبة تكمن في إزاحة ما تخمّر في «العقول» من فهومٍ/ وقناعاتٍ لم تزده الأيام إلا تسطحاً/ واهتراءً وآيةُ ذلك الواقع الذي نرزح تحت نيره.! (1)