كشفت والدة أحد إرهابي حي الياسمين أن ابنها كان مبتعثا في نيوزيلندا في تخصص هندسة كهربائية، وكان من المتفوقين دراسياً، ولكن والده فوجئ بذهابه قبل نحو عامين ونصف العام إلى سورية بحجة القتال هناك مما يفتح مثار الأسئلة عن مدى حاجتنا لقياس فكر المبتعث ومن الجهة المسؤولة عن ذلك، وماهي الطريقة التي يتم من خلالها قياس فكرهم، وهل يمكن اعتبار القياس الفكري بمثابة خط المواجهة الأول ضد التحريض، وكيف يمكن تعزيز الوعي وحماية أفكار المبتعثين من أفكار الضلال والتطرف. خطة استباقية قال د. عبدالرزاق المرجان - عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي الرقمي في الأدلة الرقمية -: إن الجرائم الإرهابية التي تحدث من قلة من الطلبة المبتعثين المتأثرين بالفكر الضال وذلك بسبب افتقارنا للخطة الاستباقية التي يجب أن نعمل عليها من الأساس، وذلك بسبب انشغالنا بفئة عمرية لبعض الإرهابيين الذين قاموا بعمليات إرهابية من عمر (16) إلى (24) عاما، والمفترض أن نتنبه للفئة الأقل أيضاً من أجل أن نحصنهم حتى لا يتمكن أحد من اختراقهم، مضيفاً أن الجهة المسؤولة عن الخطط الاستباقية لحماية شبابنا هي وزارة التعليم من خلال برنامج فطن، الذي يجب أن تعاد صياغته وتكون برامجه واضحة وتحمي الأمن الفكري. مشيراً إلى وجود هشتاقات تم رصدها تهدف لاختراق الطلبة المبتعثين، متأسفاً أن بعض المبتعثين استجاب لها خاصةً أن الطلبة في الخارج لا يجدون صعوبة في متابعة المواقع والبرامج وبالذات المواقع الإرهابية أو المحرضة؛ لأنها متاحة أمامهم، ولأن الدول الأجنبية لا تستخدم آلية الحجب، لذلك فإن التحصين يجب أن يكون أكثر تركيزاً ومن داخل مملكتنا مقارنة على حرص حكومتنا على حظر المواقع المشبوهة بشكل عام. مسح أمني وأوضح د. المرجان: أن الجماعات الإرهابية عادةً تستهدف الثروات. وشبابنا المبتعثين هم ثروتنا الحقيقة والعامل المهم في دفع عجلة التنمية عندما يعودون، وهذا تأكيد لكلمة الأمير نايف - رحمه الله - عندما قال: «نحن مستهدفون في عقيدتنا وفي شبابنا واقتصادنا»، والأحداث التي مرت علينا تؤكد ذلك وهذا يجعلنا أكثر وعي لهذا الاستهداف من خلال الخطط الحقيقة لإفشال كل محاولات تجنيد أبنائنا من قبل الجماعات الإرهابية، مُشدداً على أهمية دور الأسرة ووزارة التعليم وتحديداً المساجد والتي لم تقم بدورها، لذلك يجب إعادة النظر في خطب الجمعة، مبيناً أن المبتعث المستهدف غالباً ما يكون من أسرة سبق وأن تم اختراقها من الجماعات الإرهابية لذلك يجب أن نركز على هذه الأسرة تحديداً، مستشهداً بأسرة الهالك الصيعري الذي كان أخوه قبله مجندا. وهذا يجعل التأثير أكثر قوة لأن الإرهابيين أصبحوا أكثر ذكاء؛ لأنهم أصبحوا يدخلوا من خلال الطرق الضيقة بقدر المستطاع من أجل الحفاظ على السرية، ولذلك يجب أن يكون لدى الأسرة والتي لها سابقة أن يكون لديها سجل أمني، مطالباً بأهمية وجود مسح أمني للطلبة المبتعثين بشكل عام خاصةً على الطلبة الذين لديهم أقارب موقوفين في قضايا إرهابية. إرسال محامي وتحدث حافظ الزكري - رئيس سابق لمجموعة سعوديين بأميركا - قائلاً: إنه في حال حدوث مشكلة أمنية أو اتهام لأحد الطلبة على وجود ميول أو أفكار مقلقة فإن السفارة تقوم بإرسال محامي من أجل أن تتأكد، وإذا ثبتت عليه القضية فإن المحامي يترافع عنه حتى تنتهي القضية، نافياً وجود قياسات محددة تقوم بها السفارة من أجل معرفة ميول المبتعث، ولكن من ناحية متابعة مستوى الطلبة الدراسي والقضايا التي قد تحدث لهم سواء أمنية أو اجتماعية أو عائلية فهذه عادة تبدأ من الملحقية وتحول إلى السفارة، أو تكون بشكل مباشر بين الطالب والسفارة، مبيناً أن وزارة التعليم تعقد ملتقى للطلبة من أجل توعيتهم من الناحية الأمنية والقانونية والتعليمية، ويمكن أن يكون من ضمنه برنامج أمني يشرف عليه خبراء أمنيون، ومن خلاله يجروا اختبارات للطلبة لقياس فكرهم ومعرفة من المناسب للالتحاق بالبعثة، ولكن أتوقع أن الرأي العام لدى الملحقية والسفارة بعدم الحاجة له، خاصةً وأن الطالب مقيم بأميركا وهي دولة معروفة بنظامها الأمني القوي الذي يحارب الإرهاب. تخمين الفكر وأكد د. نزية العثماني - أستاذ مساعد بقسم الهندسة الكهربائية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة وأحد الطلبة المبتعثين بأميركا سابقاً - على أن قياس فكر المبتعث يصعب تنفيذه، وذلك لأن التحايل على أي مقياس من مقاييس تقييم الفكر بسيط وسهل، ولن يصعب على أحد أن يتقمص شخصية فكر آخر لمجرد أن ينجح في الاختبار، مضيفاً: بعد أحداث 11 سبتمبر كانت هناك عملية تقوم بها المباحث الأميركية لمواجهة قياس فكر الجالية المسلمة؛ لأنها بالنسبة لهم تعتبر شيئا مجهولا، ولا يستطيعون تقييم الفكر لكل مسلم مقيم على أرض أميركا، وكان هذا هاجس بالنسبة لهم، لذلك بدأوا وقتها ببرنامج أسموه «تخمين الفكر»، وذلك بمعنى أن أضعك في قالب معين ولكل قالب لون وطريقة تعامل معينة وبعض القوالب يعتبروا المنتمي لها خلية نائمة وبعضهم متذبذب، وقالب هذا شخص متعاطف ولكن ليس معهم..إلخ، مع وجود معدلات حسابية تستطيع من خلالها الحكم على الناس أو تخمين القالب الذي ينتمي إليه من خلال عدة أشياء مع العلم أنه خلال ذلك الوقت تمت عمليات اعتقالات واسعة في العراق، وباكستان، وأفغانستان، وأجروا مقابلات كثيرة مع الأشخاص الذين يعتبرونهم خطرا يهدد الأمن القومي، ومن خلال المقابلات حددوا أنماطا معينة سلوكية، وفكرية، وطريقة معيشة مشتركة، وطريقة تواصل مع الناس وأسلوب وحياة بينهم جميعاً، وأصبح عندهم هذا النمط للشخصية سلوكه ومن هم أصدقائه وعاداته اليومية معروف بالنسبة لهم وأفكاره وبالتالي شكلوا نوعا من التصور عنه. قاعدة بيانات ولفت د. العثماني: إلى أن وزارة التعليم تقوم بعمل دورات ابتعاث ولكن هذه الدورة يحضرها (4000) تقريباً، ولو افترضنا أنها تقوم بعمل اختبار أو مقابلة شخصية لقياس فكره من السهل على من كانت نيته سيئة أن يتحايل بخلاف أن بعض الناس قد تغيروا بعد مرور سنة أو سنتين فتتحول اهتماماته وأولوياته ويصبح شخصا آخر تماماً، مضيفاً أن نجاح الشخص في ظهوره بشخصية معتدلة لا يعني ذلك ثباته عليها بسبب تعرضه لحادثة أو موقف، وممكن يكون تفكيره خطرا ولديه ميول إرهابية ويتغير للأفضل، مبيناً أن السفارة الأميركية لديها قاعدة بيانات ضخمة معتمدة على المعلومات التي تم ضبطها لدى الجماعات الإرهابية كأسماء وأماكن وصور، وقاموا بتحويل هذه القاعدة من البيانات إلى أسماء يمكن العودة لها، وعندما يتقدم شخص لطلب التأشيرة يتم مقارنة بياناته بما لديهم، واذا ارتبطت بمعلوماته بما لديهم من معلومات يدخل طالب التأشيرة إلى نفق المسألة والبحث والتحري عنه حتى يتأكدوا من سلامته، مشيراً إلى أن عدد المبتعثين في الخارج (140) ألف تقريباً، ونسبة المبتعثين الذين نفذوا عمليات وثبت أنهم تركوا بعثتهم واتجهوا إلى مناطق الصراع وانضموا للجماعات الإرهابية عددهم خمسة تقريباً. فكر المبتعث ورأى الطالب المبتعث بأميركا خالد حبش - متخصص في التجارة الدولية -: أنه يجب في البداية أن نتعرف على نتائج الطالب المبتعث الدراسية، فإذا كان طالباً فاشلاً نتيجة سلوكه فهنا يجب أن تبدأ الحسابات؛ لأن المملكة من خلال برنامج الابتعاث كانت تهدف للاستفادة من أكبر شريحة في المجتمع للتعلم في الخارج والعوائد بعد عودتهم ستساهم في بناء المجتمع، مضيفاً أن الحاصل في برنامج الابتعاث ليس الحصول على الشهادات العلمية بل الانفتاح على العالم والثقافات والتعرف على البرامج العلمية لبناء مستقبل الوطن، والحقيقة أن برنامج الابتعاث رفع مستوى عوائل كثيرة من خلال التحاق فرد من كل عائلة بالبعثة وحصل على درجة الدكتوراه أو الماجستير، مؤكداً أنه يصعب على الملحقيات قياس فكر المبتعثين ولو نظرنا إلى أقل نسبة بطالة في كل بلد فإن أربعة بالمائة هم أشخاص فاشلون، وبعضهم منعدمو الفرص، والفاشل عادةً يبحث عن حلول سريعة لتغير النظرة الفاشلة تجاهه؛ لأنه يعيش عذابا داخليا مع نفسه، وإذا كان مبتعثا وفشل فإنه يعتقد أن الالتحاق بالجماعات الإرهابية وأن الطريق للجنة ممهداً وأن الحور العين في انتظاره، وفي بعض البلاد فإن الفاشل قد يضع حدا لحياته بالانتحار، ولكن في ثقافتنا بعض الفاشلين يتجهوا إلى تنفيذ مأرب الجماعات المتطرفة. مبتعثونا على قدر الثقة والمسؤولية ويمثلون الوطن خير تمثيل د. عبدالرزاق المرجان د. نزية العثماني حافظ الزكري خالد حبش