لاشك أن أي فعل ثقافي، مهما كانت غاياته ودوافعه وأغراضه، هو، في النهاية، يخدم الحراك الثقافي، وينشط روح المنافسة، ويحفز المبدع على مزيد من العطاء والاجتهاد. فمن حيث المبدأ لا يمكن لأي مهتم بالحقل الثقافي، عموماً، أن يعترض على جوائز مثل جائزة نجيب محفوظ أو جائزة الطيب صالح أو جائزة العويس أو الشابي، ففضلاً عن الجانب المعنوي الذي ينطوي على اعتراف بالمبدع الفائز، فإن هذه الجوائز تتضمن مبلغاً مالياً رمزياً يعين الكاتب وسط هذا العالم الذي تتنامى فيه القيم الاستهلاكية. لكن، ثمة عوائق ومعضلات كثيرة تفقد هذه الجوائز جزءاً من قيمتها ودورها، ولعل أبرز هذه العوائق تتمثل في كيفية الاختيار، ومدى الإمكانية على الفرز بين الغث والسمين، فنحن نسمع أن المئات من الأعمال تقدمت لهذه الجائزة أو تلك المسابقة، وعلى لجنة التحكيم، التي تتألف من نحو خمسة أشخاص، كما جرت العادة، أن تختار العمل الجدير بالفوز، وهنا يقع المحظور. في مسألة التفضيل بين عمل أدبي وآخر، تلعب الذائقة دوراً كبيراً في الاختيار، فالرواية التي تعجب أحد المحكمين قد لا تعجب آخر، والديوان الذي يحظى برضا أحدهم قد لا ينال الرضا ذاته لدى محكم آخر، بمعنى أن خصوصية هذه الذائقة قد تقصي عملاً أدبياً مهماً وتعلي من قيمة عمل رديء. وإذا كانت الجوائز في العالم العربي تختص غالباً بالمادة الإبداعية العربية، فإن ذلك يعني مراعاة العامل الجغرافي، وهذا يتبدى في جائزة البوكر العربية للرواية، مثلاً، ذلك أن لجان التحكيم تضطر إلى اختيار أعمال للقائمتين الطويلة (16 رواية) والقصيرة (6 روايات) بحيث تشمل مختلف البلدان العربية، فلا يصح، مثلاً، أن تكون الروايات الفائزة من قطر واحد، بل ينبغي أن تغطي الأعمال الفائزة الخريطة الجغرافية للعالم العربي، وبديهي أن مثل هذا الشرط لا صلة له بالفضاء الإبداعي، ومثل هذا الإجراء يحرم بعض المبدعين من جوائز يستحقونها. وإذا ما تجاوزنا مسألة الفوضى في ترشيح الأعمال، والأولويات التي تضعها دور النشر لترشيح هذا العمل دون ذاك، فإن ثمة عوائق أخرى لها علاقة بمزاجية لجان التحكيم و(شخصنتها) للجوائز، فعضو لجنة التحكيم هو في النهاية ناشط في الحقل الثقافي وله صداقات وعلاقات في هذا الوسط ما يدفعه إلى اختيار أسماء الأصدقاء والمقربين، وإبعاد أولئك الذين لا يعرفهم على الصعيد الشخصي، ومهما سعى إلى الفصل بين الجانب الشخصي والإبداعي، فإن هذا الفصل لن يكون كاملاً، ولابد من أن يكون للجانب الذاتي حضور في نوعية الاختيار. وثمة من يتهم هذه الجوائز بـ(التسييس)، بمعنى أن الأعمال التي تتوج بالجوائز هي تلك التي تجسد توجهات وسياسات المؤسسة؛ صاحبة الجائزة، بمعزل عن الجدارة الإبداعية، وهنا يطول الحديث دون أن يقتصر على العالم العربي، فحتى جائزة نوبل، وهو أرفع وسام أدبي عالمي، تتهم بأنها تمنح جائزتها على أساس أفكار وآراء الكاتب لا على أساس تميز نصه الإبداعي. رغم ما سبق، فإن اللوحة ليست قاتمة إلى هذا الحد، فالجوائز، أياً كانت الثغرات التي تعتورها، فإنها تخلق سجالاً ثقافياً، وتحرك بحيرة الإبداع الراكدة، وعلينا أن نقر بأن معظم من نالوا شرف هذه الجائزة الأدبية أو تلك كانوا من الكتاب البارزين، ولهم تجربة طويلة في مضمار الكتابة أوصلتهم إلى فوز يستحقونه، وعلى المعنيين، والحال كذلك، دعم مثل هذه الجوائز، وتحديث المزيد منها، وتطوير معايير الترشيح على نحو يكون فيه العمل الفائز خاضعاً للشرط المعرفي والثقافي والجمالي دون أية شروط واعتبارات أخرى.