< تفوح رائحة الفرح والمرح كزهور جبلية أو كعطور زكية، الأفراد متشوقون إلى تلك الفعاليات الوردية، حراك ثقافي اجتماعي انتظرناه كثيراً، فما أجمل جَمعة العائلة والذهاب معاً لحضور تلك الفعاليات الرائعة، كم كانت ابتسامة أطفالنا وأبنائنا بها جميلة، وكم كنا نحن سعداء بتلك النقلة في مفهوم الحياة وبساطتها وجمالها. شهدت المملكة أخيراً فعاليات عدة ومختلفة، مخاطبة النفوس والعقول، ودحرت أوجه الروتين والفراغ البغيض، وأحْيت من جديد الفرحة على شفاه الحاضرين. نمتلك كل الإمكانات لتطوير أنفسنا ومجتمعنا، ومنها أوجه الترفيه، وكلنا يدرك دور البهجة في حياة الشعوب، فمن خلالها يتم تعليم بمبادئ الحياة، وأهمها السعادة، التي من خلالها نستطيع أن نفكر في شكل صحيح، وأن تهدأ النفس وتمرح قليلاً وتسعد، فالحياة ليست كلها ركضاً وعملاً وجهداً، إذ إن للحياة أبواباً عدة، فهناك أوقات العمل، وأوقات التسلية والاستمتاع وتبادل الضحك واللعب والقفز على الكآبة والفراغ، التي شلت حركتنا وجعلتنا متجمدين في مكاننا، أو جعلتنا نشاهد الدول الأخرى بحسرة، فكم سؤال طُرح سابقاً عن عدم توافر أماكن للترفيه عندنا؛ كالسينما مثلاً، لكن ما حدث اليوم فتح النافذة لمجتمعنا لمشاهدة كم نحن نستطيع أن نعمل ونفرح معاً. لا بد أن ندرك أن دور الترفيه في حياة الأفراد ليس شيئاً عابراً أو مسلياً، بل من خلاله تحل أغلب القضايا، وأهمها التطرف والتعصب والغضب، حين يبدأ الأفراد بالاستمتاع مع بعضهم في حقل جماعي منظم ومبهج، يتعلم كيف يتعامل ويتفاعل مع بعضه، يظهر فيه الحس الإنساني العميق في التمتع والفرح وتبادله مع كل من حوله، ويفتح فرصة تجمع الأسرة مع بعضها في مكان واحد وبهجة واحدة، أفضل من العزلة والانعزال والتفريق، فهذه الفعاليات جمعت الأسر من جديد، أي زيادة في التفاعل والتواصل والحوار، كما لن يصبح أبناؤنا في جهة ونحن في الجهة الأخرى. إن هذه الفعاليات تهذب النفس في اكتشاف عالم مختلف ومغاير عنها، مثلاً الفعالية التي أقامت «سيركاً» عالمياً أعطت ثقافة مختلفة في الترفيه والحركات البهلوانية الممتعة، ما يزيد أفق الخيال والتحليق عالياً، ومن هنا يبدأ الإبداع في عقلية صغارنا، تبدأ تتأمل وتتخيل وتتصور، وهذا من أهم أدوات العقل في التفكير التي تساعدهم في كيفية مشاهدة الأمور بطريقة مختلفة. ما أجمل زرع البسمة على وجوه الحاضرين، وتخفيف أعباء الحياة، وإعطاء مساحة لأنفسنا أن نضحك من القلب، بل أن نتعلم أن نضحك لا أن نسخر وننتقد. مهرجان الرياض للكوميديا فتح نافذة أخرى تطل علينا لنشاهد مجالاً واسعاً من الكوميديا، لاقتناص الفرح والسرور، ومن الفعاليات دور المسرح؛ كعرض السنافر، ونحن ندرك أهمية وثقافة المسرح التي من خلالها نستطيع أن نعلم جيلاً كاملاً بعض الأسس والمبادئ بطرق جاذبة وماتعة ومفيدة. المسرح فرصة لإنشاء ثقافة المحبة والتسامح والعطاء من طريق العروض المسرحية الهادفة والممتعة معاً. صراحة، الفعاليات كثيرة، سردت بعضها، والقصد أن معالجة معظم القضايا الفكرية والاجتماعية يكون من طريقها، إذا استطعنا توظيف كل ذلك بخطط مدروسة، من ترفيه ومتعة، إذ إن هذه الفعاليات تعمل ما لم تعمله مجالات أخرى: أولاً: ستلين القلوب القاسية، لتعرف أن الحياة ليست فقط للكرف والشقاء، بل هي سعادة وفرح متبادل بين الأفراد. ثانياً: سنتعلم أن نتفاعل ونتبادل المناسبات الاجتماعية مع بعضنا بوصفنا أسراً واعية وناضجة لا تخاف الاحتكاك أو الاقتراب من بعضها، ما يساعدنا في بث الثقة وحسن الظن بالآخر. ثالثاً: ستكون من خلالها فوائد ودروس حية تعلم أبناءنا القيمة المجتمعية الإنسانية المتضامنة مع بعضها، ستلغي «عقلية التفريق» وسوء الظن ببعضنا، ستلغي المخاوف من التجديد والتغير، ستفتح نافذة الإقبال والاستقبال. رابعاً: لن يعد وقت الفراغ مخيفاً وحائراً لنا أو لأبنائنا، سيكون كل شيء جاهزاً ومنظماً متى ما رغبوا في الذهاب والاستمتاع بطفولتهم ومع أهلهم، هذا يعني جمعنا أسرة كاملة لتحتفل وتفرح مع بعضها، ما يزيد الوصل والقرب. خامساً: شبابنا سيجدون المكان المناسب لتفريغ الطاقة المفعمة بحب الحياة بطريقة صحيحة ومرئية أمام الجميع، لن ينزوي متخفياً بعيداً عن أنظارنا، وهذا ما شاهدناه في حفلة محمد عبده التي كان حضورها كبيراً، ألم نشاهد تلك العيون كم كانت فرحة وكأنه أحد أعراس المدينة! سادساً: محاربة التطرف فكرياً ليس فقط بالمحاضرات، بل من خلال إيقاظ بهجة الحياة في نفوس الأفراد وملئها بكل ما يبهج النفس والروح، فمن يعرف معاني الحياة من عمل واستمتاع وفرح بتوازن لن يذهب لاقتناء فكر مختلف عنه، لماذا؟ لأنه مليء من الداخل، يقدر نعمة الحياة وقيمة الإنسان. المشهد كان رائعاً، والأفراد كانوا جداً سعداء، يتناقلون خبر الفعاليات من هنا وهناك، بل البعض كان يقول: «أيعقل أن هذا لدينا»؟ نعم لدينا، وسيكون أكثر لممارسة الحياة بطريقة متوازنة بين الروح والعقل والقلب. Haifasafouq@