دخلت معركة السيطرة على مدينة الباب منعطفاً خطيراً مع إحراز قوات «درع الفرات» وقوات النظام تقدماً ملحوظاً باختلاف المحاور. إذ سيطرت قوات «درع الفرات» على جبل الشيخ عقيل والمستشفى الوطني والمحلق والسكن الشبابي والدوار الغربي في مدينة الباب بداية ثم تقدمت في شكل دراماتيكي وسيطرت على دوار الراعي ودخلت الأحياء الشمالية والغربية. وتدور المعارك في المربع الأمني للمدينة كما سيطرت على كامل بلدة بزاعة. بينما سيطرت قوات النظام في تقدم جديد على قرى الشماوية وطومان جنوب غربي مدينة الباب، وباتت على أعتاب تادف جنوب الباب فيما ادعت قوات النظام السيطرة عليها. وحققت قوات «درع الفرات» سبقاً على قوات النظام في تقدمها الأخير، إذ وضعت قدمها في المدينة، وربما حسمت أمرها خلافاً لقوات النظام. يقول مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم في ريف حلب لصحيفة «الحياة»: «تقدمنا الأخير مهم جداً، وتم كسر الخطوط الدفاعية الأولى للتنظيم، فجبل الشيخ عقيل والمستشفى الوطني مناطق استراتيجية كاشفة المدينة في شكل كامل». أضف إلى ذلك محاصرة «قوات درع الفرات» المدينة من كل الجهات باستثناء الجهة الجنوبية التي تتقدم فيها قوات النظام السوري والميليشيات الداعمة له، وهنا يؤكد الخبير العسكري العقيد أديب العليوي: «أن قوات درع الفرات سابقت الزمن، وحققت السبق على قوات النظام من خلال تقدمها شرقاً من جهة بزاعة، ووصولها إلى الدوار الغربي، وسيطرتها على جبل عقيل» هذا قبل التطورات الأخيرة. ويتم الحديث حالياً عن الحسم، وما بعد الباب، يقول سيجري: «المعارك الآن داخل أحياء الباب، وإن شاء الله سنعلن الباب محررة قريباً، ونكمل الطريق إلى منبج، لكن ينبغي ألّا نستبق الأمور». ويتخوّف الثوار من عقد تنظيم الدولة اتفاقاً مع النظام لتأمين خروج مقاتليه مقابل تسليم مدينة تادف، ويستبعد العقيد العليوي مثل هذه الصفقة: «ولا يمكن إجراء التنظيم صفقة في هذا الشكل مع النظام». وتبقى سيناريوات معركة ما بعد الباب مفتوحة بعد حسم المعركة نظراً إلى تعقيداتها الدولية، وتبعاتها الميدانية، ففي حال سيطرة قوات «درع الفرات» على المدينة ستكون على تماس مباشر مع قوات النظام جنوباً، وهذا ما دفع الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين إلى القول: «نقوم بالتنسيق مع روسيا تجنباً لأي حادث» ولم يمنع ذلك حصول اشتباكات بين قوات النظام، وقوات «درع الفرات» في قرية أبو الزندين ويرى كثيرون احتمال تكرارها، وربما تطورها. في حين يتحدث الثوار عن نيتهم التوجه نحو منبج بعد الباب، يتحدث الأتراك عن معركة الرقة، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: « إن هناك خطة لطرد الجهاديين من الرقة تتمّ مناقشتها مع واشنطن حالياً» وربما تندرج زيارة رئيس المخابرات الأميركية في هذا السياق، يقول الخبير العسكري العميد أحمد رحال لـ «الحياة»: «ستتوضح الأمور بعد هذه الزيارة، كما أن لتركيا رقماً في حسابات ترمب خلافاً لأوباما الذي أهمل دورها» وما رشح من هذه الزيارة يصب في مصلحة الأتراك، إذ ترفض إدارة ترمب أي دور لإيران في المنطقة، وهذا ما دفع مراقبين إلى القول أن الميليشيات التابعة لإيران ستتحرش بقوات درع الفرات بهدف تأجيج الخلاف بين الأتراك والروس لإضعاف الموقف الأميركي. ويعد سيناريو تقدم قوات النظام شرقاً بعد قطع الأمل في مدينة الباب الأخطر لقوات «درع الفرات». يقول العميد رحال لـ «الحياة»: «هناك مخاوف من محاولة النظام التوجه شرقاً، وقطع الطريق جنوب الباب» فيما يستبعد سيجري هذا الاحتمال مؤكداً أنّ لدى الثوار «خيارات أخرى يمكن الإفصاح عنها في وقتها» فيما يرى مراقبون أن توجه النظام شرقاً: «قد ينهي درع الفرات كقوة توسعية» ويجعل انتصارها في الباب فارغ المضمون. وأياً يكن السيناريو بعد الباب، فإنه يبقى رهن التفاهمات التركية - الأميركية - الروسية، ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس الفائت هدفه تخفيف التوتر، وترطيب الأجواء، لا سيما بعد مقتل جنود أتراك بغارة روسية وُصفت بالخاطئة، فيما وصف بعضهم ذلك برسالة روسية إلى الأتراك بأنهم موجودون، بالتالي لا ينبغي للأتراك تجاهلهم في أي تقارب تركي - أميركي، لا سيما في معارك ما بعد الباب. ويتوقع كثرٌ أن يلعب الرئيس الأميركي دونالد ترمب دوراً إيجابياً في المرحلة المقبلة على هذا الصعيد، ويقول سيجري: «يفترض بالإدارة الأميركية تقديم علاقتها مع تركيا باعتبارها استراتيجية على العلاقة مع تنظيم وميليشيات إرهابية». ويستبعد خبراء أن تقف روسيا في وجه تركيا في هذه المرحلة، ويقول العقيد رحال: «روسيا تحتاج تركيا في هذه المرحلة أكثر من حاجة تركيا إليها، لا سيما أنها تعاني ضغوطاً اقتصادية» وربما يدفع ذلك الروس إلى تقديم تنازلات تتمثل بالدفع بحل سياسي حقيقي يطيح الأسد ضمن تسوية شاملة. ويرى ناشطون أن الميليشيات الطائفية ستحاول ما أمكنها توتير الأجواء والاشتباكات مع قوات درع الفرات وما حدث في قرية أبو الزندين يندرج ضمن هذا المسعى، لأن أي اتفاق تقبل به إدارة ترمب لن يكون لإيران دور فيه.