بينما وقف رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس أمام حشود من مناصريه مؤكدا ثقته بقدرة اليونان على التوصل إلى اتفاق مع دائنيها، يحوم فوق أثينا بقوة شبح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، سواء بوصفه «عقوبة» محتملة من الدائنين بقيادة ألمانيا، أو بوصفه «رد فعل» عاصف من حكومة أثينا في حال تأزم المفاوضات. ومع تصلب المواقف الظاهر؛ سواء من حيث انتقاد اليونان ضغوط الدائنين الدافعة نحو مزيد من التقشف وانتقاداتهم الدائمة، أو التضارب البادي عيانا في الرؤى بين الدائنين، حيث يطالب صندوق النقد بتخفيف الأعباء قليلا على أثينا حتى تتمكن من التقاط الأنفاس والوقوف على قدميها، فيما يرفض الجانب الألماني أي تسهيلات جديدة، كما يرفض في الوقت ذاته الاستمرار «وحيدا» في برنامج المساعدات في حال انسحاب صندوق النقد، إضافة إلى الارتفاع الذي لا يتوقف في الديون، فإن الأزمة اليونانية في ظل كل ذلك لا تبدو متجهة نحو الحل، على الأقل في القريب العاجل، وقبل انعقاد الاجتماع المقبل لوزراء مالية «اليورو» في 20 فبراير (شباط) الحالي، وهو الموعد النهائي الذي حدده الاتحاد لمناقشة الخطة الاقتصادية اليونانية. وفي الأروقة الأوروبية والدولية، تجدد الحديث عن الأزمة اليونانية باستخدام لفظة «غريكسيت»، التي تعني خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، على غرار الانفصال البريطاني (بريكسيت) الذي قرره البريطانيون في استفتائهم الشهير في شهر يونيو (حزيران) الماضي. وكان اليونان قاب قوسين أو أدنى من الخروج من دائرة العملة الموحدة «اليورو» في عام 2015، وذلك حين كان الدائنون على وشك طردها من المنطقة حفاظا على سمعتها السيادية، باعتبار اليونان بلدا مفلسا، قبل التوصل إلى اتفاق جدولة للديون، حصلت أثينا بمقتضاه على حزمة مساعدات من أجل إعادة القوة لاقتصادها تمكنها من المضي قدما. وكان الدائنون الدوليون قد وافقوا في أغسطس (آب) 2015 على تقديم حزمة قروض إنقاذ ثالثة بقيمة 86 مليار يورو، بعد مفاوضات استمرت نحو 5 سنوات، مما أدى إلى توقف الحديث عن طرد أثينا من منطقة اليورو، بخاصة في ظل تعهد اليونان مقابل هذه القروض بمزيد من الإصلاحات. وتحتاج الحكومة اليونانية إلى صرف شريحة جديدة من القروض خلال الأشهر القليلة المقبلة من جانب آلية الاستقرار الأوروبية، للوفاء بالتزاماتها المالية خلال الصيف المقبل. وخلال الأسبوع الماضي، شن كثير من المسؤولين والاقتصاديين حملة واسعة على اليونان، بقيادة وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، الذي تعد بلاده أكبر دائني اليونان، والذي يتبنى الترويج لطرد أثينا من منطقة اليورو، في وقت تدور فيه مناقشات داخل البرلمان الألماني (بوندستاغ) حول أفكار لتقنين «آلية إفلاس» للدول المتعثرة بمنطقة اليورو، تمهيدا لإخراج أثينا من المنطقة، باعتبارها «عضوا فاشلا» في المجموعة، أعباؤه أكثر من فائدته. وبالمقابل، فإن تسيبراس اتهم شويبله بالتسبب بالعرقلة الحالية في المفاوضات بين بلاده ودائنيها، داعيا إياه إلى التوقف عن «اللعب بالنار»، ومطالبا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأن «تمنع التصريحات المهينة الصادرة من وزير المالية شويبله ضد اليونان، بالإضافة إلى عبارات توبيخ اليونانيين». وفي مقابل اللهجة الألمانية الحادة، يحاول المسؤولون الأوروبيين بذل أقصى جهدهم للتوصل إلى وسيلة لحل الأزمة، والوصول إلى نقطة تلاقي بين الطرفين. وأمس، أكد فالديس دومبروفسكيس، نائب رئيس المفوضية الأوروبية والمسؤول عن الخدمات المالية في الاتحاد، أنه ينبغي على اليونان ودائنيها سرعة إقرار مراجعة الإصلاحات التي ينبغي أن تتبناها الدولة المثقلة بالديون، مقابل الحصول على قروض جديدة. وحذر من أن إطالة أمد عملية المراجعة «ستقود لحالة من عدم الاستقرار المالي في منطقة اليورو»، موضحا في مقابلة مع صحيفة «فيلت أم زونتاغ» الألمانية أن «الإصلاحات في البرنامج تهدف لتحسين قدرة الاقتصاد اليوناني على المنافسة، ومنح اليونانيين أملا في مستقبل مستقر وآمن». وهناك خلاف واسع في قراءة ما توصل إليه الطرفان خلال المحادثات التي جرت يوم الجمعة بين اليونان ودائنيها في بروكسل لتقليص هوة الخلاف بشأن الإصلاحات، حيث يرى بعض المراقبين أن هناك تقدما كبيرا شهدته المحادثات، فيما يرى البعض أن «الفجوة أكبر من الجسر». ويوم السبت الماضي قال تسيبراس إنه يعتقد أن عملية المراجعة التي «استغرقت وقتا طويلا» ستنتهي بشكل «إيجابي»، ولكنه كرر أن أثينا لن تقبل أي طلبات «غير منطقية» من جانب المقرضين، مؤكدا أنه «لن يتم التوقيع على مطالب من جانب الدائنين لا تقوم على أساس المنطق والأرقام». وبالنسبة لليونان، فإن انسحابها الاختياري من منطقة اليورو عبر تصويت مماثل لما حدث في بريطانيا ربما يكون حلا لا فكاك من طرحه أمام المواطنين في حال عدم تمكن تسيبراس وحكومته المطالَبة بمزيد من التقشف، من السيطرة على الوضع؛ إذ إن شعبية الحزب الحاكم صارت على المحك مع مزيد من الضغوط. وفي حال لجأ تسيبراس إلى هذا الخيار، فإن الترجيحات، بحسب محللين واقتصاديين غربيين استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، تتجه نحو الاختيار الشعبي الأكثر راحة للمواطنين بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي. لكن المحللين في الوقت ذاته ينوهون بأن مثل ذلك الخيار له تبعات خطيرة، وأنه يعد مقامرة من جانب اليونان حال اللجوء إليه؛ إذ إن تصنيفها الاقتصادي في تلك الحالة سيصل إلى الحضيض، وإلى درجة لم يسبق له أن بلغها رغم الأزمة؛ إذ إن مجرد وجودها في زمرة الاتحاد الأوروبي يعطيها بعضا من القوة والثقة، والقدرة على مزيد من الاقتراض والمناورة؛ لكنها ستفقد كل ذلك بمجرد إقرارها الانفصال، لتصنف بعدها ضمن «الدول الفاشلة»... أي إن تسيبراس سيصير وقتها كالمثل العربي: «كالمستجير من الرمضاء بالنار».