جمع بين الشرع والورع.. وامتزجت شخصيته بهمم العلا وعزم المعالي.. علمه فضاء متعدد الاتجاهات ومناصبه احتفاء بفكر متنوع المسارات.. من جيل العمداء والوجهاء والنبلاء الذين كانوا وسيظلون «واجهات للعلم» و»نماذج للمسؤولية» و»إشراقات للمستقبل». إنه الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد إمام الحرم المكي الشريف ورئيس مجلس الشورى وشؤون الحرمين الشريفين ومجلس القضاء الأعلى السابق والمستشار في الديوان الملكي، صاحب السيرة الحميدة بالعلم والمعرفة المجيدة بالرأي والقرار. في بريدة وحقولها الخضراء وسهولها التي تمتلىء بطلاب العلم وجوامعها الصغيرة العابقة بالمخطوطات العلمية العتيقة ومجلدات الكتب المشبعة بروح التعليم الشرعي.. عاش طفلاً يراقب جموع المتقاضين أمام والده وأرتال طالبي العلم وهم ينشدون علمه، ونمت في ذاكرته مشاهد العلم الشرعي، وتنامت في نفسه ملاحم من الفكر كان يراها في أعمال وأنشطة والده كشاهد عيان ويلمسها كابن علامة ويتمسك بها كعاشق استطلاع، فتشرب من تلك الأحداث عناوين الجد وتفاصيل العزم ومطامح طلب العلم. استلهم من شخصية والده الوقور موجبات السيرة وضروريات الإرث الشرعي ومسلمات الثبات وشهادات الإنسان والمكان، فرسم خارطة علمه وعمله بإشراف ومتابعة من والده - رحمه الله - الذي كان يرى فيه مشروعاً إنسانياً متميزاً لخدمة دينه ووطنه. وبعد عقود تشابهت مركبات الشخصية بين الشيخ صالح ووالده في أمور عدة كانت نتاج تجاذب اقتداء وانجذاب تربية لا تزال سراً من أسرار العزيمة والإصرار والاقتدار. بصوت جهوري مشكَّل من اللهجة القصيمية والحجازية والنجدية بحكم «خارطة العمل»، وعينين تشعان وداً وجداً تتحرك من خلف نظارته التي رافقته كثيراً والتي لا ينزلها إلا أمام عبرة رحمة ودموع خشوع أو صمت يسبق قراراً ووجه تنبع من ملامحه «الاتزان « وتشع منه سكنات «الوسطية»، ولحية كساها شيب زادها جمالها وازدانت به كمالاً وكاريزما تتوزع بين الشيخ الوقور والإمام الباكي والمسؤول الحازم والفقيه العادل.. يطل الشيخ صالح في محافل عدة قضاها مسؤولاً يعتلي مناصب مركبة، كرجل دولة وطالب علم وصاحب قرار ومالك رؤية ومخطط مستقبل، فكانت سيرته تنضخ بالإنجازات في كل منصب قضى فيه عمله موظفاً أخاً للجميع حريصاً مسكوناً بالأمانة عاشقاً للابتكار. في بلدته التي طالما ارتبط بها وانتمت لوجدانه درس المراحل الأولى من التعليم، انتقل إلى مكة المكرمة ودرس بها الثانوية ثم أكمل دراسته بجامعة أم القرى وتخرج منها، عمل معيداً في كلية الشريعة ثم محاضراً في الجامعة نفسها ثم أستاذاً مساعداً إلى أن أصبح رئيساً لقسم الاقتصاد الإسلامي في الجامعة نفسها، ثم عُيِّنَ مديراً لمركز الدراسات العليا الإسلامية بجامعة أم القرى، ثم وكيل كلية الشريعة للدراسات العليا ثم عميداً لكلية الشريعة. ثم تعين نائباً للرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ثم عضواً في مجلس الشورى 1414هـ - 1421هـ، وفي عام 1421هـ صدر أمر بتعيين الشيخ صالح رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وفي 1422هـ صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً لمجلس الشورى، وفي عام 1430 هجري عُيِّنَ رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء ثم عُيِّنَ عام 1433 هـ مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير إلى الآن. الشيخ صالح شخصية ارتبطت بالحرم المكي مسؤولاً أول وإماماً اعتادت الآذان على سماع صوته الذي يتحول بمجرد التكبير إلى تراتيل تطرب لها الأسماع وتخشع لها القلوب وتلين بها الخواطر وتستكين لها الأنفس، حيث يمتلك صوتاً شجياً ونبرة هاجعة وأصداء ساطعة تصدح بالذكر الحكيم، وقد ارتبطت تلاوته الشهيرة بصلوات «الفجر» و»الأعياد» كثيراً خلاف تلاوت متفرقة حيث يعد أقدم الأئمة وكبيرهم في أعظم مهمة وأنبل شرف على وجه المعمورة، وتعد خطبه في المسجد الحرام مناهج في الخطابة والإلقاء والدعاء والحكمة والموعظة والتذكير، حيث تمتزج فيها منهجية فريدة من ربط الحياة بالدين، والعمل بالشريعة، والمستقبل بالحاضر، والرجاء بالخوف، والآخرة بالتدبر. للشيخ صالح عضويات متعددة في هيئة كبار العلماء السعودية والمجلس الأعلى العالمي للمساجد واللجنة الشرعية بهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية. ورئيس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي وله مؤلفات عدة شرعية متعددة في شتى علوم الشرع والفقة ومشاركات متعددة في مؤتمرات مختلفة داخل المملكة وخارجها، كان فيها خير ممثل وأنبل سفير وأسمى واعظ وخطيب، وقد كرمته جهات عدة بالداخل والخارج في محافل عدة احتفت باسمه واحتفلت بجهوده. الشيخ صالح بن حميد شخصية متميزة للصلاح والفلاح والسيرة الحميدة التي تعد أنموذجاً فريداً تعد منهجاً للأجيال ومنهجية في العلم والعمل والإنتاج.