يحلو لنا أن نردد مقولة «الوقاية خير من العلاج»، و مقولة «درهم وقاية خير من قنطار علاج» . أما إذا جئنا إلى الواقع العملي فإننا لا نعطي الوقاية من الأمراض حظها من المال أو الجهد أو الاهتمام . هذا شأن أكثر دول العالم النامي . العلاج فيه وهج .. وهج قص الشريط الأخضر ، ووهج الإعلام الذي يتحدث عن معجزات العلاج ، ووهج الآلات والمعدات الطبية وبريقها . أما الوقاية فمن بالله عليك يدري عن الجهود التي بذلت لاستئصال مرض الجدري أو للتخفيف من حدة أمراض مثل الملاريا أو البلهارسيا أو التراخوما أو أمراض القلب أو السرطان. وكأن هذا لا يكفي فترانا نضع في قراراتنا الإدارية العراقيل والعقبات أمام شبابنا وفتياتنيا مما يحول بينهم وبين التخصص في فروع الطب الوقائي والصحة العامة . أقول هذا بمناسبة التعميم الذي صدر مؤخرا من وزارة الخدمة المدنية والذي ينص على أن الحاصلين على الماجستير في فروع الطب الوقائي والصحة العامة تحتسب لهم فقط حوافز على السنوات التي أمضوها في دراسة الماجستير بيد أنهم لا يرتقون بشهادتهم إلى الفئة الأعلى .. لماذا؟ الذي فهمته من نص القرار أن السبب هو أن دراستهم تلك ليست في مجال الطب العلاجي وإنما في مجال الطب الوقائي!! أرجو من معالي وزيـر الخدمة المدنية إعادة النظر في هذا القرار المجحف الذي سيسيء أكبر إساءة إلى مفهوم الوقاية من الأمراض قبل حدوثها . أمامكم الأمثلة واضحة وضوح الشمس . من منا لا يتمنى مخلصا أن نطبق وسائل الوقاية من حوادث السيارات والمنازل والعمل ، ومن حمى الضنك ، ومن أمراض القلب والسكري وضغط الدم والتهاب الكبد والفشل الكلوي .. وكلها وغيرها كثير قابلة للوقاية منها قبل حدوثها ، لكن لا يمكن الوقاية منها إلا إذا تخصص مئات بل ألوف من العاملين في المجال الصحي من أطباء وأطباء أسنان وأطباء بيطريين ، وزراعيين، وممرضين ، وحملة البكالوريوس في الصيدلة والإدارة والإحصاء والبيئة والاجتماع وغيرها كثير في فروع الطب الوقائي والصحة العامة .. علينا أن نزيد من الحوافز بدلا من أن نضع العقبات.