استمع خيري منصور شاعت مقولة توارثتها الأجيال هي أن الناس معادن، أي منهم الذهب والفضة والنحاس والحديد.. وهذا التصنيف للبشر يجعلهم في مراتب تبعاً لمعيار أخلاقي، والحقيقة أنهم جميعاً من الطين ويولدون متساوين وأحراراً ثم تفرق بين مصائرهم التربويات والإمكانات والظروف الاجتماعية. والأدق هو أن الناس إيقاعات، منهم البطيء المتردد والرشيق الوثَّاب، ومن استمد الحكمة في مساره من القصة القديمة عن سباق الأرنب والسلحفاة، والتي كانت نهايتها أن السلحفاة هي التي فازت في السباق بعكس الأرنب الذي أعاقه اللهاث عن اللحاق بها لفرط الركض! وإذا كانت مقولة الناس معادن بلا أصل علمي، فإن مقولة الإيقاعات من صميم علم النفس، وهناك تجارب أجريت على نماذج بشرية اتضح من خلالها أن التفاوت في الإيقاعات موجود بالفعل، ولأن علم النفس يعتمد في مصادره على الأدب كما فعل فرويد حين استفاد من روايات روسية شهيرة، فإن علم النفس الحديث استفاد من شخصية هملت مسرحية شكسبير الشهيرة، وأصبح هذا البطل المسرحي أمثولة في التردد وبطء الإيقاع، بحيث يطلق على من يعجز عن اتخاذ أي قرار بأنه هاملتي. وبالطبع هناك شخصيات مضادة لهذا التردد، وهي المتهورة والمجازفة كشخصية زوربا في رواية كازنتزاكي الشهيرة والتي تحولت إلى فيلم سينمائي شوهد على امتداد العالم! والإيقاعات ترتبط مباشرة بتكوين الفرد النفسي، فكلما كان سوياً ومعافى وبلا تعقيدات ينتظم إيقاعه، تماماً كما تنضبط دقات قلبه وتنفسه! وحين يوصف شخص ما بأنه ثقيل الظل أو خفيف الدم، فذلك هو التعبير الشعبي المتداول عن الإيقاعات لكن بتبسيط واختصار. وقد لا يترتب على تفاوت الإيقاعات لدى الناس العاديين ما هو خطير وذو تأثير يطال المجتمع كله، لكن المسألة تصبح بخلاف ذلك قدر تعلق الإيقاعات بالقادة وأصحاب القرار، لهذا يرى بعض المؤرخين أن هناك قرارات بالغة الخطورة وبلغت حد الحماقة اتخذها قادة وتسببت بحروب مدمرة. نعم الناس جميعاً من طين وليسوا من معادن منها النفيس والرخيص، لكنهم من إيقاعات تبدأ من السلحفاة ولا تنتهي عند الغزال والنورس!