الكويت: سوسن الأبطح دعا المشاركون في ندوة «صناعة ثقافة وهندسة حوار مع الآخر» التي عقدت في الكويت الأسبوع الماضي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) إلى تأسيس جهاز خاص يعنى بـ«الدراسات المستقبلية الاستشرافية»، بمقدوره إنشاء قاعدة بيانات ذات صلة بالأقطار العربية، بالتعاون مع الجامعات والمراكز البحثية. كما دعا المشاركون المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت المعروف بدورياته القيمة إلى إصدار دورية ثقافية تعنى بـ«الدراسات المستقبلية». جاء هذا ضمن مجموعة من التوصيات اتفق عليها المنتدون بعد ثلاثة أيام من جلسات عمل قدمت خلالها أوراق بحثية تتعلق بماهية الدراسات الاستشرافية وأهميتها، كما ناقشت الأبحاث أهمية الحوار ومستقبله مع الآخر في ظل العولمة، وتحرت الرؤى التي قدمها مجموعة من الكتاب من خلال أعمالهم مثل توفيق الحكيم ومالك بن نبي وأحمد أمين. ومن ضمن ما ناقشته الجلسات «ثقافة التعصب» و«إشكالية الحوار مع الآخر» و«التعددية الثقافية» و«استراتيجيات الحوار مع الشباب» و«تأملات في منهجية الحوار التربوي» و«الصناعة الثقافية - الإبداعية وتحديات التنمية»، وهو ما جعل النقاشات تتفرع وتتشعب، دون أن تستقر على خط واحد يستطيع المنتدون من خلال تلمسه الوصول إلى خلاصات محددة. نظم الندوة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت بالتعاون مع «ألكسو»، وشارك فيها نخبة من الباحثين العرب، ودارت حول عدة محاور، بينها: العولمة، والتعصب، والحوار والشباب، والصناعات الثقافية الإبداعية. بدأ النقاش حول ضرورة تفعيل «الدراسات المستقبلية»، وهو ما طرحه د. عبد الله حمد محارب الذي قال: «نحن في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم نواجه تحديات كبيرة بسبب شح الإحصاءات والاستبيانات الموثوق فيها في مجال التربية والتعليم، بينما انتبه الغرب منذ أكثر من قرنين إلى أهمية الدراسات المستقبلية». وشرح محارب أنه «في القرن الـ18 كتب توماس مالتوس مقاله الشهير عن السكان الذي استشرف من خلاله أن العالم مقبل على مجاعات تهلك الحرث والزرع. وكذلك استشرف الفرنسي كوندرسيه استقلال المستعمرات، ونهاية عصر الرق». وقد صدقت هذه الدراسات، لأنها ليست غيبية، وإنما تعتمد على معطيات ومعلومات محددة وموثقة. المشكلات العربية العصية كثيرة، ومن بينها التعصب، الذي اعتبر د. علي وطفة، المتخصص في علم الاجتماع التربوي، أنه ليس حالة عابرة، وأن التخلف والتعصب وجهان لعملة واحدة. ووصف وطفة التعصب العربي بأنه «بنيوي يتشابك فيه الديني بالقبلي بالعائلي، وهذا أسوأ أنواع التعصب»، شارحا بأن «التعصب ليس حالة نفسية وإنما ثقافة لها مرتكزات يمكن دراستها وتشريحها ومعرفة جذورها». الحوار معطل أيضا في العالم العربي، بحسب د. يعقوب الكندري من الكويت، فـ«الدراسات تظهر بالأرقام وبشكل مذهل عدم وجود تفاعل بين أفراد الأسرة، وتحديدا الأطفال والوالدين، وبالتالي فالأسر لم تحقق المرجو منها، على عكس ما ينظر البعض في موضوع التماسك الأسري العربي». وخلص الكندري إلى «أننا وفي ظل المعطيات الحالية غير مهيئين بالقدر الكافي لحوار فعال، بسبب إشكاليات كثيرة، داخل المؤسسات الاجتماعية نفسها. وما يدعو إلى القلق أن المدرسة بدورها هي جزء من الأزمة، وتعاني ما تشتكي منه العائلة من علاقات فوقية، ولا تستطيع أن تكون منفذا للحل». د. البكاي ولد عبد المالك من موريتانيا، رأى أن «كل هذه الأزمات تتطلب عقلنة الفكر العلمي، وهو أمر صعب في ظل تخصيص ميزانية لا تتجاوز 1% من مجمل الميزانيات العامة. والعقلنة تعني إخراج السياسة من دائرة الجدل الديني». ويلفت البكاي إلى أنه مقابل العولمة الأميركية هناك توجه إلى إنجاز عولمة دينية تأتي بنتائج سلبية، وبالتالي فالعولمة لها أكثر من وجه، والساعون إليها لهم أهداف مختلفة وليست موحدة. وذكر د. يوسف غلوم من الكويت أن «التسامح ضرورة ديمقراطية، وأن الحوار يأتي إما لتنفيس أزمة وإما استباقا لها، وهو ما لا نزال قاصرين عن إنجازه». وتساءل الدكتور محمد الرميحي الذي أدار إحدى الجلسات عن سبب غياب لفظة شديدة الأهمية عن النقاشات وهي كلمة «حرية». وبالفعل فإن الجدل كان طويلا حول التعصب، وماهيته، وأسبابه، وسبل علاجه، وكذلك النزاعات وشلل الحوار، لكن الكلام عن الحرية التي يفترض أن الثورات العربية تقوم من أجلها وتسقط أنظمة وتنهار أوطان، لم تكن شاغلا ولو جانبيا للمتباحثين في الندوة. وككل الندوات العربية فإن الكلمات وصفت الحال، وتحدثت عن السلبيات، لكن الكلام على سبيل حلول ولو جزئية بقي غائبا. ومن نافذة صناعة الثقافة الإبداعية دخل د. عبد الله العجمي من الكويت ليشرح أنها تشكل محفزا لعملية التنمية الاجتماعية الشاملة، كما رسمت إطارها منظمات الأمم المتحدة والكتابات المتخصصة بإدارة التغيير ورسم السياسات. وركز العجمي على «الإبداع كوسيلة للخروج من المأزق الذي نرتع فيه». وخصص المنتدون الجلسة الأخيرة لنقاشات أدارها وزير الإعلام الكويتي السابق د. سعد بن طفلة. والنقاشات في مجملها عادت وركزت على ما انطلقت منه الندوة، وهو الدراسات المستقبلية، باعتبارها قادرة على فتح الآفاق صوب أبحاث يمكنها استشراف إمكانيات الغد، وتوسيع زوايا الرؤية، وهو ما جعل المجتمعين يطلبون معونة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لتنفيذ التوصيات التي اتفق عليها.