أشاعر ومال؟ ضرب من المحال ومع ذلك حاول الشاعر الشعبي العراقي عبود الكرخي زج نفسه في الميدان بالاتجار بالشعير، فخسر ماله وحلاله فقال: من قايل لك تشري شعير تخسر ما تخسر بالقير! والعجيب أنه حتى هذا الشاعر الرقيق والخجول والانعزالي، أحمد الصافي النجفي، لم يتردد في دخول هذا الميدان فغامر بكل ما عنده وخسره. جلس في زاويته يندب حظه ولم يخرج بشيء غير هذين البيتين: سعيت زمانا للتجارة والغنى فضيعت ما كان في اليد من مال وتاجرت بالآمال بعد خسارتي فأفلست حتى من تجارة آمالي! ويمضي في قصيدة أخرى ينعى بها حظه في مسعاه هذا بهذا البيت الظريف الذي يتهكم فيه من نفسه ومن محاولته: أتى الناس قبلي مسرعين لرزقهم وجئت ولكن بعد ما قسم الرزق وما الذي يستطيع الشاعر أن يفعله بعد كل هذه الخسارة غير أن يسخر من نفسه ودنياه، فتدفقت قريحة هذا الشاعر الحساس في وصف فقره وأحواله الأليمة بعد هجرته من العراق إلى لبنان. أعطانا هذا الوصف عن بيته: أكافح البرد في سراج يكاد من ضعفه يموت في غرفة ملؤها ثقوب أو شئت قل ملؤها بيوت يسكن فيها بلا كراء فأر وبقّ وعنكبوت! ويمضي فيتحدث عن غرفة نومه قائلا: أغرفة للمنام هذي أم هي منفى له نفيت أم تلك قبر للحياة فيه عذبت من قبل ما أموت عطف عليه بعض أهل الخير فاقترحوا عليه تحسين مقامه بتزيين بيته بحصيرة تفي ببعض حاجاته، جلوسا ومناما أو استضافة، فأجابهم قائلا: قلت ما لي بيت أزينه أو أي بيت فناؤه يحويني كل هذا الوجود بيتي ومالي فيه بيت عند الدجى يؤويني وفي ما عاناه الصافي النجفي من شظف العيش وقسوة المرض، مرض السل الرئوي الذي كان يعاني منه، لم تعد الأيام أو حتى أسماء الأيام تعني شيئا عنده وهو ينتظر مصيره الأليم. فما شأنه بها وكل أيامه شقاء ومعاناة ومتاعب؟! قد تساوت لديّ أيام عمري فماذا تخالف الأسماء؟ كل يوم لديّ مبدؤه همّ وجهد ومنتهاه استياء! يعرف اليوم ذو الوظيفة أو ذو الدين ويرجو أن يحين الوفاء