ربما ازداد الطلب على شباك التذاكر لأفلام الـ"ثري دي" قبل سنوات، وربما الآن هي بطريقها نحو الاندثار. هذا التفاوت الكبير في نمو هذه التكنولوجيا وازدهارها فجأة في سوق السينما العالمية، وعودة انتكاسها لهو المنحنى الخطر الذي يهدد كل تكنولوجيا العصر التي تقع تحت سيطرة نظام العرض والطلب في السوق التجارية العالمية. ولكننا الآن في طور استحداث نظارات ثلاثية البعد جديدة تختلف عن منهجية نظام العرض والطلب، وكل شخص منا يحتاجها بشكل كبير، فهذه النظارات الجديدة يمكننا من خلالها رؤية الأشخاص والأشياء ضمن هذا العالم بمنظور جديد يختلف عن رؤيتنا السابقة له، فتعالوا لنتعرف معاً على هذا الاكتشاف الجديد. كل منا يستخدم العين التي يبصر بها لكل ما خلق الله له من مناظر وأشكال، من أصغرها إلى أكبر الأحجام المختلفة، والتي تجعل الإنسان متفاعلاً أكثر مع الحياة؛ حيث يراها بشكلها الحقيقي، فإذا فقد نعمة البصر تراه يقل إدراكه لما حوله إلا بمساعدة آخرين، فحينها يحتاج إلى أن يبصر بعين البصيرة التي في مخيلته وداخله لكل ما يبدو له أنه كيف سيكون في الخارج. كل منا بدأ يعرف كيف يستخدم نظارات فرانكلين الخاصة بالبعد الثاني في النظر، وهي النظارات التي كان يستخدمها فرانكلين، والتي تكشف للناظر البعد الآخر لما تراه العين المجردة من أحوال الأشخاص، ولمن حولنا من الناس، فجعلتنا تلك النظارات ننظر لهم بعين أخرى تسمى بعين التقدير والاحترام، فأصبح تعاطينا وتفاعلنا أكثر مع الناس. هنا يظهر لنا تساؤل جديد: هل من الممكن أن يكون هناك بعد آخر للنظر غير نظارات فرانكلين؟ هل من الممكن أن نحتاج أكثر من أن نحسن الظن بالناس لمعرفتهم أكثر؟ نعم إنه البعد الثالث الذي لا يمكن رؤية الأشخاص بشكلهم الحقيقي إلا به، ولتوضيح تقنية نظاراتنا الجديدة، تخيل أنك ترى شكلاً هندسياً ببعديه الطول والعرض، فهذا يعني لنا أننا سنرى مقدمة هذا الشيء فقط، ولا يمكن أن نتخيل حجمه الحقيقي إلا برؤية البعد الثالث له، وهذا ما تثبته مبادئ العلوم الهندسية، فإننا في هذه الحالة لا يمكن أن نرى بالبعد الواحد نظرة متكاملة للشكل، فلو أنك تنظر إلى نقطة "في المنظور الهندسي"، فماذا تفهم من حقيقتها؟ غير أنها نقطة، فلو حاولت وغيرت زاوية رؤيتك للنقطة، فربما ستكون هي رأساً لمستقيم لا نهاية له! وعليه.. سيكون من الأفضل رؤية الأبعاد الأخرى للأشياء حتى نعرف حقيقتها بشكل أكثر وضوحاً، وهذا لن يكون إلا إذا قمت بتحريك ذلك الشيء بيديك، فيما إذا كان في متناول يدك، باتجاه مغاير لوضعه الحالي حتى يتجلى لك رؤية البعد الآخر، أو تتحرك أنت لتتمكن من رؤية الزاوية الأخرى التي من خلالها ينكشف لك ماهية هذا الشيء. هكذا التعامل مع باقي الناس؛ فإما أن تراه من زاوية واحدة، وهذه المشكلة التي وقع فيها فرانكلين في ما كتبناه سابقاً ()؛ حيث بدأ بالتحول إلى الرؤية ثنائية البعد للتعامل مع البشر، ولكننا هنا يتضح أننا نحتاج إلى بُعد آخر يضاف إلى بُعد فرانكلين الذي اكتشفه؛ ليزيل عن نفسه مبادرة سوء النية بالتعامل مع الناس وقد نجح بها فعلاً، وعليه فإن هناك فهماً جديداً يجب أن نصل إليه الآن وهو (البعد الثالث) لشخصية كل إنسان. حتى نفهم حقيقة هذا البعد، فلقد أوضحت سابقاً أن البعد الثالث الهندسي للأشياء عموماً موجود، فلولاه لما تمكنا من أن نفهم حقيقة الصورة ذات البعد الثنائي إلا بعد أن نعرف البعد الثالث فيها، وهذا هو مبدأ الرسم الثلاثي البعد للأشياء والتصوير الثلاثي للأفلام؛ حيث يضعنا المخرج بداخل الفيلم لنرى حقيقته ونتفاعل معها أكثر، والذي سيضع لنا الحجم الحقيقي المتكامل للشكل. وهكذا البعد الإنساني الثالث، فهو تركيبة الشخص الثقافية والعلمية التي تبنى عليها شخصيته، فإذا نظرت لشخص ولأول وهلة لا يمكننا أن نحكم عليه، ونبني عليه انطباعاً عن شخصيته إلا إذا بدأ بالتحدث والنطق، فمن منطوقه ذاك ستتعرف على نوعية الشخصية التي أمامك وستفهم مدى ثقافته؛ إذ لا يمكن أن نحكم على الأشخاص حتى يبدأوا بالكلام، فمن نهج منطوقهم سنحكم عليهم؛ لأن الكلام الخارج من الفم هو حصيلة ثقافة ذاك الشخص، ولذلك قالوا: "تكلم حتى أعرفك أكثر". فكم من شخص لبس أثمن الملابس وأحدثها فتنبهر أبصارنا به، ولكن حينما يتكلم يهبط إلى أرذل الأخلاق وإلى أسوأ المفاهيم الاجتماعية، والعكس صحيح، فكم من شخص تراه بسيط الهيئة والشكل، ولكن حينما يتكلم يصعد بك إلى أرقى المنازل الثقافية والاجتماعية، بحيث ترغب لو استطعت أن ترتفع معه إلى المقامات العالية من حسن الخلق والمفاهيم الثقافية العليا. وهنا يكمن السؤال: كيف لنا أن نعزز معرفتنا بالأشخاص إذا لم تكن هناك فرصة للتحاور معهم؟ فأعود إلى المثال الأول الذي ذكرته في بداية المقالة، وهو تحريك الشيء بزاوية، أو قيامنا بتحريك نظرنا نحوه ليبين رؤيته الجديدة، أي هنا يجب أن نحفز كل من هو أمامنا بالكلام أو نثير موضوعاً من قبلنا لنستشيره به، لمعرفة مدى مطابقة منطوقه مع حقيقة انطباعنا نحوه. ومن خلال رؤيتنا هذه للبعد الجديد سيكون لنا القدرة على معرفة البعد الثالث للأشخاص، الذي يساعدنا على معرفة حقيقة من نتكلم معه، وسنكون حينها قد امتلكنا نظارة البعد الثالث 3d للتعامل مع كل الشخصيات الإنسانية، التي تمثلت بالبعد الثقافي الذي نمتلكه، فكل منا يمتلك بعداً ثالثاً لشخصيته يجب أن يعمل على دعمه بالثقافة والعلم الرصين، الذي سيعمل على جعل حجمنا الحقيقي أكثر تأثيراً في الواقع الذي نعيش فيه. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.