كانت «بسعاد» تعتبر نفسها محظوظة عندما تمكنت هي وزوجها وأطفالهما الستة من الإفلات من تنظيم الدولة، صيف عام 2013، بعد أن واجه المئات من أبناء عشيرتهم «البونمر» انتقام التنظيم في محافظة الأنبار غربي العراق. فمنذ ذلك اليوم الذي لا تنساه تلك المرأة العراقية (46 عاماً) تتواصل مأساتها هي وأسرتها مع النزوح والعوز، حيث تعيش مع أطفالها، بجانب 85 أسرة أخرى من عشيرة «البونمر»، في ورش لتصليح السيارات، وسط «سكراب» السيارات (مكان تجميع الخردوات) في الحي الصناعي بمدينة الرمادي، مركز الأنبار ذات الغالبية السُنية. غرفة محروقة عن رحلة نزوحها المتواصلة، قالت «بسعاد» للأناضول: «توفي زوجي في مخيم النازحين؛ جراء إصابته بجلطة دماغية، بعد أن تجرع الكثير من المرارة، لما آل إليه حالنا، وما فعله داعش بحق أبناء عمومته وعشيرته». لا تتجاوز مساحة الورشة التي اتخذتها «بسعاد» مسكناً لها ولأطفالها 12 متراً مربعاً، ولا تزال آثار حرائق الحرب، التي دارت في الرمادي، بين القوات العراقية ومسلحي التنظيم، بادية على جدران الورشة. واستعادت القوات العراقية الرمادي نهاية عام 2015، فاتخذت «بسعاد» ونازحون آخرون من عشيرة «البونمر» من ورش تصليح السيارات مأوى لهم، قبل أن يعود أصحابها تلك الورش إلى المدينة. ومع عودة الحياة إلى الرمادي تدريجيّا، بدأ أصحاب الورش يطالبون شاغليها بإخلائها، بعد أن عاد النشاط إلى المنطقة الصناعية. وقالت «بسعاد»: «لا حول لي ولا قوة.. سكنت في هذا المحل المحروق، وعندي ولد عمره 12 سنة يبيع الشاي.. ويقدم محسنون لنا العون أحيانا». منازل محررة.. ولكن في صيف عام 2014 حاول أبناء عشيرة «البونمر» صد هجوم مسلحي تنظيم الدولة على منطقتهم بصحراء قضاء هيت (نحو 70 كم غرب الرمادي) عند اجتياح التنظيم لشمال وغربي العراق، لكنهم لم يتمكنوا من الصمود، ما جعل من تبقى من مقاتلي العشيرة عرضة لانتقام التنظيم الذي ارتكب بحقهم واحدة من أبشع المجازر في العراق بإعدامه ما لا يقل عن 300 من رجال العشيرة، بينما فر من استطاع النجاة. ورغم أن القوات العراقية استعادت منطقة عشائر «البونمر» من التنظيم، بعد منتصف 2016، إلا أن السلطات الأمنية ترفض حتى الآن عودة سكانها؛ بدعوى عدم تطهيرها بعد من سيارات مفخخة وألغام زرعها التنظيم، وضرورة ترتيب الوضع لتدقيق هويات العائدين لضمان عدم عودة عناصر من داعش إلى المنطقة. وكل ما يشغل بال «نوري حسين علي»، وهو نازح آخر من عشيرة «البونمر» يتخذ من ورشة لتصليح السيارات مأوى له ولأطفاله السبعة، هو أن يتخلص من مرارة العيش في هذا المكان، ويعود إلى منزله. «علي» (61 عاما) قال للأناضول: «مناطقنا محررة بالكامل، ونريد أن نعود إلى منازلنا. أصحاب الورش الصناعية يأتون يوميّا ويريدون ورشهم، وهذا حقهم».;