يستيقظون وهم يتلمَّسون هواتفهم الذكية، يرسلون للمضافين لديهم، زرافات ووحدانا، تحايا الصباح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يفعلون ذلك قبل أن يغسلوا وجوههم، ويشربوا فنجان قهوتهم، وحين يحلُّ المساء يتسارعون أيضاً في إطلاق الأمنيات الجميلة لـ «مضافيهم». هؤلاء هم مَنْ يشعرون بقيمة اليقظة، يبتسمون للضوء، ويتقاسمون التنفس مع الفجر، يعبِّرون عن حبهم للحياة بكلماتهم الذهبية التي تشاطر الشمس إشراقاً، وأمنياتهم الخضراء التي تفترش الطرقات. إن ما يتبادلونه من كلمات وصور عن جمال الصبح، والاستبشار به، ليس مجرد حروف مكررة بلا فائدة، بل إنها تفضي إلى تحريك المشاعر الجميلة لتصب سلوكاً إيجابياً نحو اليوم بكامله. هؤلاء المبشِّرون يبثون الإيمان، وينشرون «أطايب» السنة النبوية التي تدعو إلى نبذ التشاؤم و»الطيرة». هؤلاء هم عشاق النهار، يُجبرون الخواطر المكسورة، ويأخذون بيد المتعثرين، ويلجمون أفواه المتجهمين، ويلقمون النور لـمَنْ حشوا أفكارهم بالشؤم والظلام. إننا في هذا الزمن الحزين في أمسِّ الحاجة إلى عشاق الضوء والأمل كي يحدُّوا من التوسع الغاشم للكراهية واليأس، فمع كل يقظة نتهلل سعداً عندما تنهال علينا بداياتهم المزهرة بالذكر والكلمة الطيبة والتحفيز وبث الحماس للعمل والعطاء وانتشال النفوس الضعيفة من براثن السقوط والعلو بهممها وعزمها، إلكترونياً، أو ورقياً، فمعهم نحسُّ بأن الحياة مازالت جميلة، والخير يسعى في مناكبها، وأن أصحاب المزاج المتعكر والكلمة السوداوية ما هم إلا حلم مزعج، استيقظنا ونحن نتعوَّذ من شؤمه وشره. ومن محاسن «تصبيحاتهم» أيضاً أنهم يقدمون لأنفسهم طاقة الأمل، وحب الناس والحياة قبل أن يبثوها في الآخرين. لهؤلاء الأشخاص منا تحية وتقدير، لأنهم استشعروا قيمة اليقظة، وغرسوا فينا باختلاف شخصياتنا وحِرَفنا مبدأ «أن لدينا شئياً مهماً يستحق يقظتنا، وعلينا أن نفعله». وأبهج الله مساء مَنْ نهض من «خدرة الغروب» ليمنح الحياة وجهاً آخر، يعبر عن البدء بمرحلة جديدة، تتساوى مع نشاط «البكوريين» في نهاراتهم المشرقة، والحاثين على بدء الحياة بـ «وردهم الصباحي»، و كلماتهم العطرة.