لا أعتقد أنني سأكون مبالغا إذا قلت: إن قرار خادم الحرمين الشريفين الذي اعتمد في أساسه على إقرار هيئة البيعة بأغلبية كبيرة على اقتراح خادم الحرمين وولي عهده سمو الأمير سلمان بالموافقة على ترشيح سمو الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليا لولي العهد، بحيث يشغل تلقائيا منصب ولي العهد في حالة شغوره، وكذلك منصب الملك في حالة شغور المنصبين معا لأي سبب من الأسباب، جاء في وقته، والأهم أنه جاء محققا لواجب شرعي، وكذلك محققا لمطلب شعبي، وفي الوقت نفسه جاء ليجيب على أسئلة كثيرة بعضها بحسن نية وبعضها بسوء نية؛ فكثيرون كانوا يقولون: وماذا بعد؟! وكيف سيتحقق الاستقرار والأمن لهذه البلاد الشاسعة والغنية بينما مؤسسة الحكم بحاجة إلى مزيد من الترتيب والتنسيق، وإلى وضع رؤية استراتيجية شاملة وطويلة المدى تضمن سلاسة انتقال الحكم وبطريقة تحقق الاستقرار للوطن وأهله، كما تضمن الأمن بكل مفاهيمه للمواطنين وكذلك المقيمين في هذه البلاد. تلك الأسئلة التي كنا نسمعها من البعض في بلادنا ومن الكثيرين من خارجها، وأيضا مما كنا نقرؤه في الصحافة العربية والأجنبية بين حين وآخر أجاب عليها قرار خادم الحرمين الشريفين الذي أصدره يوم الخميس الماضي، والذي جاء محققا لواحد من أهم مطالب الشريعة الإسلامية، والتي قام عليها أساس الحكم في بلادنا، فالشريعة تجعل من الأمن والاستقرار واحدا من أهم مرتكزاتها، والقرار يفضي إلى ذلك الاستقرار ولمدة طويلة، والقرار ــ كما قلت ــ يقضي على كل الأقاويل المغرضة التي كانت تتحدث عن مستقبل قلق لهذه البلاد، إذ أنه سيحقق الاستقرار السياسي وما يتبعه من استقرار أمني واجتماعي واقتصادي وسواه من متطلبات الاستقرار الأخرى. كلنا نعرف ما تتعرض له منطقتنا العربية من صراعات شديدة بينها وبين بعضها الآخر أحيانا، وبين بعض جماعاتها وأحزابها وبين جماعات وأحزاب أخرى في الدولة ذاتها. كما لا يخفى علينا الصراع الطويل والمستمر بين العرب والصهاينة، وبين بعض العرب وإيران، وكل ذلك يؤثر على بلادنا بحكم موقعها ووجود الحرمين فيها، وأيضا بحكم مكانتها الكبيرة في محيطها العربي والإسلامي والعالمي، وكل ذلك يتطلب منها وضع قواعد دقيقة لسياستها الداخلية وأهمها طريقة انتقال الحكم فيها، ولهذا جاء قرار خادم الحرمين الشريفين ملبيا لكل تلك الاحتياجات المحلية والعربية والعالمية وهو ما نأمل أن نرى نتائجه قريبا ــ إن شاء الله. سمو الأمير مقرن ــ وفقه الله ــ خاض تجارب عديدة في الميدان العملي؛ فعندما انتقلت من الرياض إلى المنطقة الشرقية عام ١٤٠٠ هـ كان سموه ضابطا ومسؤولا في القوات الجوية، ثم عمل فيما بعد أميرا على المدينة المنورة، ثم حائل، وبعد ذلك أصبح رئيسا للاستخبارات العامة، واستمر فيها إلى أن صدر قرار ملكي بتعيينه نائبا ثانيا لخادم الحرمين، وهذه المناصب المتعددة والمتنوعة لا شك أنها منحته خبرة واسعة في الإدارة والتعامل الجيد مع القضايا الداخلية والخارجية، وهذا ما نحن بحاجة إليه في بلادنا. خادم الحرمين الشريفين الذي اتخذ هذه الخطوة معتمدا على رؤيته الجيدة في حسن الاختيار ومدعوما بموافقة سمو ولي العهد وأيضا بغالبية أعضاء هيئة البيعة هو الذي كان قد اقترح نظاما للبيعة ووضع أسسه وضوابطه، وكل ذلك يأتي في إطار البحث عن أفضل السبل لإدارة الدولة ولضمان أمنها واستقرارها، ومن منطلق حرصه على استمرارية الأداء بصورة جيدة تضمن للبلاد وأهلها أفضل السبل للاستقرار جاء اقتراحه المتعلق بسمو الأمير مقرن، وهو الاقتراح الذي توج بالموافقة من هيئة البيعة، وبهذا أصبح ملزما وواجب النفاذ ومن حينه. أمن البلاد والمحافظة على مكتسباتها مطلب شرعي وعقلي، ومن حق الجميع العمل من أجل تحقيقه ودعمه ومساندة القائمين عليه، فجميع أبناء الوطن في سفينة واحدة ومصيرهم مشترك مهما تنوعت توجهاتهم وأفكارهم ومذاهبهم. أسأل الله التوفيق لهذه البلاد وأن يحفظها وأن يوفق قادتها وشعبها لكل خير.