×
محافظة المدينة المنورة

بالصور.. تشييع جثمان الشهيد "المحياوي" في ينبع النخل

صورة الخبر

على رغم تحول دفة الأغنية الأكثر بثاً من خصوصية «والله وعملوها الرجالة»، إلى عمومية «يا حبيبتي يا مصر»، فإن المزاج العام في مدن المحروسة وقراها يميل الى جهة وطنية غير مشروطة وفق حسين الجسمي مغرداً «وبحبك وأنت مطلعة عيني، بحبك موت». موت أمل 92 مليون مصري ومصرية (ووفق عداد السكان في شارع صلاح سالم فجر أمس 94 مليوناً) في استعادة لقب كأس الأمم الأفريقية الغائبة منذ عام 2010 لم يقف حائلاً دون إحياء توليفة فريدة من الظواهر والمظاهر، وكشف تشكيلة عجيبة من المشاعر والمكاره، ونقل المصريين على مدار 23 يوماً من دهاليز التغيير الوزاري وكوابيس الاقتصاد المعاند ودوامات الهري السياسي إلى عالم آخر. آخر ما كان يتصوره المصريون أن يعودوا للالتفاف حول شاشة واحدة، أمام حدث واحد، من أجل هدف واحد، على وقع هتاف واحد، في مقهى شعبي واحد، (وإن كان مشروطاً بمشروب قيمته الأدنى عشرة جنيهات ضعف سعره)، وذلك بعد سنوات من الاستقطاب، وأشهر من الخلاف، وأسابيع من الاختلاف. هزيمة المنتخب المصري الملقب بـ «الفراعنة» أمام الكاميرون ليل أول من أمس، لم تجر الملايين إلى العرف الكروي الشعبي السائد حيث صب الملامات على رؤوس اللاعبين، وتوجيه الاتهامات إلى جموع الإداريين، وتطبيق القانون الجنائي على كل الضالعين في كل مباراة خاسرة. دفعتهم الهزيمة إلى آفاق جديدة من التفكير، ومجالات عديدة من التدبير لتعليل الخسارة. فهناك نظرية «نحس كوبر» حيث يعلل البعض، على سبيل الهزل غير المنزه عن الجد، خسارة «الفراعنة» بـ «نحس» المدير الفني الأرجنتيني هيكتور كوبر، خصوصاً أن تاريخه الفني يحفل بـ12 هزيمة في مباراة نهائية سابقة. وهناك أيضاً نظرية «نحس النظام» التي يتبناها أبناء التيارات الإسلامية المخلوعة من الحكم. هؤلاء يوجهون سهامهم الناقدة واتهاماتهم النافذة إلى كل من خرج عن طوع الجماعة. مواقع الجماعة وصفحات المؤيدين وتغريدات المحبين تحفُل بكم هائل من الشماتة في الخسارة والشتائم للجميع: «للتذكرة! لم تخسر مصر فقط نهائي أفريقيا، بل خسرت جزيرتي تيران وصنافير وآبار الغاز في شرق المتوسط ومعركتها مع إثيوبيا على مياه النيل، وأخيراً محمية نبق»... و «سعادة معظم الشباب بهزيمة المنتخب، وكانوا يتمنون عدم فوزه حتى لا يتم استغلال ذلك لتلميع السيسي»... و «يا عم ده أنا مش شمتان وبس. أنا فرحان أوي أوي. اللهم فك أسر عبدك محمد مرسي»... و «الحضري كان يتم تلميعه في إعلام المطبلاتية ليكون قدوة للشباب بدلاً من أبو تريكة، لكن (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)». وآمنت الملايين منذ آلاف السنين بأن الرياضة مكسب وخسارة، وأن الكرة «يوم لك ويوم (وربما عشرة) عليك». لكن تبقى شؤون الإيمان وملفات التدين لقمة سائغة لكثيرين. يوم الجمعة الماضي، أحيل إمام مسجد في مدينة السويس على التحقيق في وزارة الأوقاف لأنه خرج عن موضوع الخطبة الموحدة، ودعا الشباب إلى الاقتداء بحارس المرمى المصري الأسطورة ابن الـ44 ربيعاً عصام الحضري. وعلى رغم «مدنية» التشبيه، و «معاصرة» التشجيع، وتنزهه عن الاندلاف في تأييد لاعب «إخواني» على حساب آخر مدني، فإن وزارة الأوقاف (صاحبة الصوت الأعلى في التحديث الديني والريادة الأقوى في محاولات تجديد الخطاب المتعثرة) عاقبته بالحرمان من اعتلاء المنبر. المنبر الكروي حرّك مياه الحماسة الراكدة في حياة المصريين، وكشف وجوهاً كانت مدفونة في توجهاتهم، ورسخ فكرة لم تعد ظاهرة بل باتت قاهرة. كرة القدم لها اليد العليا في حياة المصريين، وهي يد تنافس الاقتصاد وتصرع السياسة وتنشر البهجة حيناً والغمة حيناً والحكمة دائماً. ويبدو أن الحكمة من الرسالة التي بعث بها الرئيس عبدالفتاح السيسي قبل المباراة كانت حماسية لعل فوزاً يزيح الغمة عن الشعب ولو موقتاً، في حين جاءت الرسالة الثانية التي أرسلها بعد المباراة علاجية ووقائية اتقاءً لشرور الإحباط. وجاء في بيان الرئاسة أنه «رغم نتيجة المباراة، فإن المنتخب فاز بتقدير الشعب المصري بأكمله، وباحترام كل متابعي كرة القدم في أنحاء العالم». وفي أنحاء مصر، خفتت حدة «الحضري سيندروم» بعض الشيء بعد مطالبات بتشييد تمثال له، ومجاهرات بتمني تعيينه في منصب سياسي، ولو رئيساً لمجلس النواب. كما هدأت «فوبيا أبو تريكة» بين مصريين يكرهون «الإخوان» فباتوا يمقتونه، وآخرين يحبون «الإخوان» فيعشقونه، وآخرين لا هذا أو ذاك لكن يحترمونه. وعاد الجميع أمس إلى الحياة العادية حيث استئناف الإغراق في المشكلات اليومية والمشاحنات الدورية وقناعة بوطنية غير مشروطة إلا في ما ندر.