×
محافظة المنطقة الشرقية

هجر يستعد للوطني تحت زخات المطر

صورة الخبر

إن كان الوفاء سمة لازمت الكلاب منذ القدم، وتغنت بها بعض الحضارات فهو لم يستطع حتماً أن ينزع صفة السعور عنها، وشتان ما بين التوصيفين الذي أكثر ما يحسّ بتأثيرهما اليوم على المستوى السياسي وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، المعروف أكثر بلقب «ماد دوغ» أو الكلب المسعور. مما لا شكّ فيه أن ماتيس قد بدّل أخيراً، بذلة الجنرال المتقاعد العسكرية بزي البنتاغون المدني الدفاعي، لكن مساعيه في التخلص من اللقب الملتصق بمسيرته في البحرية الأميركية يبدو أكثر تعثراً، سيما على قاعدة إذا كان رب البيت بالدف ضارب... فشيمة أهل البيت الرقص والمزمار. ولم يكف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقائه الأول مع وزير دفاعه ماتيس عن مناداته بالكلب المسعور، في حين أن الأخير أوضح للجميع أنه ليس سعيداً باللقب، وقال: «نادوني جيم!». وقد طالب مجموعة الصحافيين المجتمعين في وزارة الدفاع بأن ينادوه جيم، في حين أكدت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه لا يحب إطلاقاً أن يناديه أحد بوصف «ماد دوغ». ومن الواضح أن ترامب التقط الرسالة، سيما بعد أن نشر الصحافي أندرو دي غراندبري عبر صفحته على تويتر تغريدة، مفادها: «أبلغهم عن رغبته بأن ينادى باسم جيم، فكفى استخداماً لتعبير الكلب المسعور». واكتفى دونالد بالفعل، في حديث صحافي في البيت الأبيض عقب لقاء المسؤول العسكري المدني الأعلى رتبةً بالعودة إليه باسمه «جيمس»، وتضمنت ملاحظاته القول: «أود بدايةً التقدم بتهنئة للجنرال جيمس ماتيس، الذي أصبح اليوم الوزير ماتيس، الرجل الشريف الذي كرّس حياته لخدمة بلاده، إنه رجل متفانٍ وناشط عملياً». وإن لم تكن مسيرة السنوات الأربع والأربعين على امتداد أربعة عقود ونيّف من الصولات والجولات في صفوف البحرية كافية لتشفع له، ولا النجمات العسكرية الأربع المعلقة على كتفه، فلعلّ توصيف ترامب الأخير له قد يفعل ذلك. ويذكر أن ترامب ومن ضمن حملته الانتخابية الصاخبة، قد وجد في لقب ماتيس ضالته الجنونية فخاطب جمهور الناخبين آنذاك في كارولينا الشمالية مزمجراً بحماسه التعبوي المعتاد: «سنعيّن الكلب المسعور ماتيس لمنصب وزير الدفاع». إلا أنه وفي مؤشر اعتراف واحترام مستجدين، عاد وتوجه لطائفة الصحافيين المنتظرين زبدة لقاء الرجلين في البيت الأبيض، بالقول: «أعلن ماتيس صراحةً أنه لا يؤمن بالضرورة بمبدأ التعذيب ولا بالإغراق لحدّ الموت، وإني لا أوافقه بالضرورة، لكني أقول لكم إنه سيتجاوزني لأني منحته تلك الصلاحية، وكيف لا وهو الخبير، إنه جنرال الجنرالات». وتندرج على قائمة الألقاب والأسماء الملتصقة بماتيس أوصاف كثيرة كالراهب المحارب، والفوضى والمتزوج برباط أبدي مع البحرية. وقد ذكرت محطة «سي إن إن» أن استعارة «الكلب المسعور» ألصقت به عقب حرب الفلوجة تحديداً. بالنسبة لمشاة البحرية الأميركية يشتهر ماتيس بلقب «الفوضوي» كعلامة اتصال واسم حركي، أما بالنسبة لمقابلاته الصحافية مع عشرات الضباط الذين يعرفونه حق المعرفة، فيجسّد رمز محطّم الأيقونات والمبتكر المكافح في سبيل التفوق بمناوراته على العدو في أرض المعركة، والتسبب له بالشلل التام، وزارع ثقافة «أجل سيدي!» في أوساط العسكر. يعتبر ماتيس الجنرال المتقاعد البالغ من العمر 66 عاماً، شخصيةً أسطورية في أوساط الجيش الأميركي، وينظر إليه كثيرون على أنه المحارب مرهوب الجانب، لكنه مع ذلك برز على جبهات أخرى كثيرة. ويؤخذ على ماتيس على الصعيد الشخصي أنه رجل لا يتمتع بكاريزما مهيبة؛ بقامته المتوسطة وبنيته الضعيفة نسبياً ولثغة في الحديث، وندرة ارتفاع نبرة صوته. غير أن كلامه الحاد وعدائية أسلوبه التي لا لبس فيها، في المعارك، قد جعلته محبباً إلى قلوب الكثيرين من عناصر مشاة البحرية. ومع أن كثيرين تعمدوا تقريعه بسبب أسلوبه، وحضه على انتقاء مفرداته، إلا أنه لم يعتذر يوماً أو يبدي أسفاً، في خطوة تميّزه عن البقية، ونقطة تحسب له لا عليه في ملفه وسجل خدمته العسكرية. ومع أن ماتيس قد عقد العزم بعد التقاعد على الارتحال غرباً والاستقرار، فإن أخباره الشيقة ليس مقرراً أن تدوَّن في كتاب، حيث سيصطحب النسخة غير المطبوعة إلى القبر.