×
محافظة المنطقة الشرقية

الفتح يكثف تحضيراته للأوزبك

صورة الخبر

تساءلت دومًا لماذا سكن الخوف وتمكن اليأس وضاع الحلم وانطفأ الأمل فى عيون كل من حولى؟!، لماذا توحّش القبح وتغلغل إلى هذا الحد البائس فى كل شيء حولى؛ تفاصيل البيوت المتهالكة، تلال القمامة المترامية، مذابح الأشجار، أغانى الشوارع و«التَّكاتِك» والمهرجانات، صرخات تتوعد للآثمين والكفار، تلاوات «قرآنية» عبر المكبرات الصوتية، ميكروفونات الجوامع المدوية، صخب نغمات «الموبايلات» المباغتة التى تخترق الآذان، ملصقات مروّعة وصادمة تمتهن الذوات، وجوه عابسة، وأخرى شاردة، فتيات متشحات بالسواد، وأخريات مستهلكات؛ منهن الملفوفات، أو العاريات، أو اللاتى يتمزقن بين نداء الطبيعة العاجز وفتاوى الممات والدماء. كان من اليسير إدراك أن جحيم الظاهر هو مرآة صادقة لخراب الباطن، المتجسد فى خواء العقول وفساد الضمائر، الذى أنجب بشرًا هم أطلال معطلة ومحطمة، تطاردها دومًا رغبة جارفة فى الفرار من بشاعة معاناتها اليومية فى حق الحصول على أبسط حقوقها الإنسانية، ربما هذا هو سلاحها الوحيد الناجز فى تلك اللحظات التاريخية الممقوتة التى نعيشها فى ظل تدهور جميع صروحنا السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والدينية والإعلامية، وعجز الدولة التام عن تحمّل المسئولية. أليست هذه هى صورة مصر «بوتقة الحضارات ومركز الإشعاع الفكرى والإنسانى» الآن، التى قدمها فيلم «مرجان أحمد مرجان» منذ عدة سنوات فى قالب كوميدى ساخر؟!، ربما لم يتناول كل تفاصيلها المريرة، لكنه استطاع النفاذ إلى طبقات العفونة المتراكمة كالصدأ فى أديم واقعها المهترئ، من خلال فكرة «الرشـوة» التى تقدمها الشخصية المحورية «رجل الأعمال المهم» فى جميع القطاعات، حتى يصبح الجميع فى خدمة أهدافه ومصالحه، فتُمنح له جائزة أفضل شاعر، وتُفتح له أبواب الجامعة التى يدرس بها أبناؤه، ليلتحق بها طالبًا، عندما يشعر أنهما يخجلان منه بسبب عدم استكمال تعليمه. يتعامل «مرجان» مع التعليم بمنطق رجل الأعمال المحترف، الحريص على تحقيق المكاسب، وعقد الصفقات الاستثمارية، فيستحوذ على كل المراكز الطلابية، ويرشو الأساتذة وكل من يعترضه؛ للحصول على الشهادة، لكنه يريد أن يصبح طالبًا متفوقًا فى نظر أبنائه؛ لذا لا يترك نشاطًا إلا ويشترك به، فيلتحق بفريق التمثيل، ويحصد جائزة «أحسن ممثل» بالرشوة، ويقود فريق الجامعة لكرة القدم، ويشترى له الفوز على الفريق المنافس «دجلة» الأكثر خبرة، فى مباراة كوميدية ساخنة، بعد أن قام برشوة كل لاعبيه والقائمين عليه والحكم. يدور الصراع بينه وبين أستاذة الحضارة فى الجامعة «چيهان» التى يحبها أبناؤه، فيخوض انتخابات مجلس الشعب فى مواجهتها؛ للحصول على الحصانة، باعتباره رجل أعمال لديه تجاوزات ومصالح يحرص على حمايتها، ويستطيع من خلال رشوة المسئولين الفوز على حساب الشعبية الطاغية التى تملكها مُنافِسَته. يتفاقم الصراع بينه وبين ابنيه، مما يدفعه للجوء إلى العنف مع ابنته، فتصاب بأزمة نفسية شديدة تُفقدها النطق، وفى تلك اللحظة الحرجة يدرك أن ابنته الوحيدة بين يدى من لا يُرشى أو يُراوغ، فيبدأ فى التغيير الحقيقى، ويحصل على شهادته الجامعية بمجهوده الشخصى ومساعدة أبنائه، ثم فى النهاية تقبل أستاذة الحضارة الزواج منه بعد رفض طويل، ليكتشف أنه يمتلك كل العالم، بل هو قلب هذا العالم؛ لأن لديه أجمل وأثمن وأهم الأشياء «الحب والعمل والمعرفة»، التي لا يمكن شراؤها بثروته أو نفوذه. يفضح «مرجان» أفكار الجماعات الإسلامية، حين يقترب من زعيمهم، ويحوّله إلى مدافع شرس عنه، ويعرى مشكلات شباب الجامعة الغائب والتائه والمخدَّر، وانهيار مؤسسات مجلس الشعب والتعليم والثقافة، وقد أتيحت له مساحة كبيرة من الحرية؛ خاصة مشاهد إهداء الجوائز، وانتقاد مجلس الشعب، وأسلوب إدارة إحدى جلساته. من أجمل المشاهد تلك الطريقة العبقرية التى عبّر بها عن حبه للدكتورة «چيهان»، حينما جعلها تلتفت حولها، لتجد أن كل الأشياء تردد عبارة «مرجان بيحب چيهان». اعتمد «يوسف معاطى» فى السيناريو على صيغة درامية مفككة، عبارة عن عدة مشاهد منسجمة؛ لإثارة الكوميديا الساخرة من أوجه الواقع المأزوم، وتميز «أحمد عبدالعزيز» فى حركة الكاميرا، ونجح مونتاج «ماجد مجدى» فى صنع إيقاع جيد، وأضفت موسيقى «نبيل على ماهر» على الأحداث حرارة وحيوية، كما أضافت أغنية الفيلم معنى ودلالة، وهى كلمات «بهاء صلاح جاهين» وألحان «عمرو مصطفى»، فضلاً عن براعة «عاطف عوض» فى تصميم رقصات ممتعة، رغم أن الأداء جاء متواضعًا للغاية. الفنان «عادل إمام» حالة خاصة، يمتلك موهبة وذكاء، والفنانة «ميرڤت أمين» توهجت فى أداء شخصية الأستاذة الجامعية المثقفة، وقدمت بخفة وجاذبية مشهد تقليدها «هيفاء وهبى»، واتسم أداء الراحل «حسن مصطفى» بالعمق فى تصوير المشاعر واضطرابها، كما جسد أداء كل من الراحل «يوسف داوود» و الفنان «محمد شومان» الفهم والإخلاص الواعى لمقتضيات كل شخصية. استعان المخرج «على إدريس» بعدد من الوجوه الجديدة الشابة، لكنه لم ينجح تمامًا فى توظيف طاقاتها وقدراتها التمثيلية القوية، ودفعها نحو التوغل إلى مناطق تزيد من تدفقها، فلم يطور من الشخصيات بالرغم من حضورها، لذا جاء كثير من الشخصيات باهتة، لا توجد لها ملامح مؤثرة، فضلاً عن أنها تدور فى فلك الزعيم، ولم يضف جديد إلى الفنانين «بسمة» و«شريف سلامة»، كما جاء أسلوب «أحمد السعدنى» فى الأداء غير مُلوَّن، أما الفنان «أحمد مكى» فهو ممثل ممتاز، يتفرد بحضور طاغ، لكن لم تتفجر إمكاناته الهائلة، التى تتسع لها أبعاد الشخصية الثرية التى يلعبها.