×
محافظة المنطقة الشرقية

خليفة يوجه بعلاج عدد كبير من الجرحى اليمنيين في مستشفيــات الدولة

صورة الخبر

بعد موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين ريكس تيلرسون وزيرا للخارجية، اكتمل بذلك فريق الرئيس دونالد ترمب للأمن القومي، وصار على استعداد تام للعمل. ويختلف فريق الأمن القومي لدى ترمب عمن سبقوه من رؤساء في عدد من النقاط؛ فالرئيس الجديد قرر إحكام قبضته وسيطرته على مقاليد الأمور من خلال منح ستيف بانون، كبير المخططين الاستراتيجيين في إدارته، أو كما يصفه النقاد بشخصية «الساحر الشرير»، مقعدًا بارزًا في مجلس الأمن القومي الأميركي، كما اتخذ قرارًا بأن يتولى مستشار الأمن القومي في إدارته الجنرال السابق مايكل فلين، مهمة إصلاح أجندة مجلس الأمن القومي الأميركي بالتشاور مع بانون. ومن شأن هذه القرارات أن تمنح الدائرة الداخلية المقربة للغاية من الرئيس القبضة المحكمة على قرارات القضايا ذات الأهمية التي ترغب الإدارة الجديدة في تركيز الاهتمام عليها. ومن القرارات المهمة الأخرى المتخذة، حرمان هيئة الأركان العسكرية الأميركية المشتركة، وهي أعلى نسق عسكري معروف في المؤسسة العسكرية، من التواجد المستمر، كما هو الحال، في مجلس الأمن القومي. وفي عهد ترمب، سيُدعى أعضاء الهيئة العسكرية العليا إلى حضور اجتماعات المجلس فقط لمناقشة القضايا التي تتعلق بصورة مباشرة بمجالات الاختصاص والصلاحيات العسكرية. لكن تخفيض المكانة العالية لكبار القادة العسكريين العاملين لا يمكن اعتباره من قبيل الأحداث الكبرى، ولا سيما إن علمنا أن النسق الأعلى من أنساق الإدارة الأميركية الحالية يضم بين جنباته اثنين من كبار جنرالات الجيش الأميركي المرموقين ذوي النجوم الأربع، هما وزير الدفاع جيمس ماتيس، ووزير الأمن الداخلي جون كيلي، إلى جانب فلين ذي النجوم الثلاث اللامعة. تقلل التهيئة السياسية الراهنة للإدارة الجديدة، أيضًا، من الدور الذي تلعبه وزارة الخارجية، المحرك الرئيس للجهود الدبلوماسية الأميركية في الخارج. يرى الرئيس أن الخارجية تحولت إلى ما يشبه ناديا حصريًا خاصًا من الليبراليين ذوي النزعة العالمية والمعنيين بمشاعر وأحاسيس الخصوم الأجانب أكثر مما تقلقهم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وإثر ذلك، فستفقد الوزارة المقعد المحفوظ تقليديًا لنائب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة، على رغم أن ذلك المنصب الرفيع قد يذهب في الوقت الحالي إلى أحد أشد المؤيدين لترمب وسياساته. يشير اختيار تيلرسون على رأس الخارجية الأميركية إلى عزم ترمب الأكيد على إحداث زلزال قوي ومؤثر بين جنبات الوزارة. فالوزير الجديد رجل أعمال قوي صارم، يمتلك المقدرة على إيلاء نظرة اهتمام عاجلة ومتبصرة لجنبات السياسة الخارجية للولايات المتحدة كافة، متجاهلاً في ذلك أركان الحكمة التي أرساها الدبلوماسيون المخضرمون «المنهكون» الذين سيطروا طويلاً على أروقة الوزارة العريقة المهمة. في هذا الإطار، سيكون مثيرًا للاهتمام بحق أن نرى مقدار المقاومة التي سيبديها تيلرسون في مواجهة موجات «التأقلم» وفرض أسلوب وخطاب المهنيين المحترفين في وزارة الخارجية الأميركية. وتضم الدائرة الداخلية حول ترمب كذلك كاثرين ترويا ماكفارلاند، وهي من قدامي المحاربات في الإدارات الأميركية الجمهورية كافة منذ عهد الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون، وتولت منصب نائب مستشار الأمن القومي في الإدارة الجديدة. وهناك أيضا دون ماكغاهان، وهو على دراية قانونية واسعة بما يجب ولا يجب فعله بالنسبة إلى الدائرة الداخلية المقربة من الرئيس، وسيتولى منصب مستشار البيت الأبيض. ومن المتوقع أيضًا أن يضم فريق الدائرة الداخلية للرئيس نيكي هالي، التي عُينت سفيرة لدى الأمم المتحدة، مع مقعد محفوظ لها في مجلس الوزراء الأميركي الجديد، إلى جانب عضوين آخرين من أعضاء الإدارة الجديدة يرجح أن يكتسبا بعض الزخم والتأثير المهم، على الأقل في سياسة التجارة الدولية والأنماط المتغيرة في أسواق الطاقة العالمية، وهما وزير التجارة الجديد الملياردير ويلبور روس، ووزير الطاقة الجديد ريك بيري. ويختلف الفريق الرئاسي لترمب عن مثيله في الإدارة الأميركية السابقة من جوانب عدة، فهو يتألف في غالبيته من أناس على درجة عالية من المهنية والاحتراف من الناجحين للغاية في مجالات اختصاصاتهم، وبالتالي فهم لا يدينون بمناصبهم ومكاناتهم المرموقة إلى المحسوبية السياسية المعروفة. وهذا يعني أننا يمكننا توقع وجود قدر معتبر من النقاش الحقيقي الفاعل، حتى وإن كان على مستوى الدائرة الداخلية المقربة من الرئيس. ففي عهد الرئيس السابق باراك أوباما، كانت الاستجابة الإكليشية المعيارية الدائمة من أعضاء الإدارة الأميركية كافة هي: «أجل سيدي». وفي عهد الرئيس الجديد ترمب قد يحصل المرء على صفقة جيدة من النقاش مع أولئك المحترفين، ولكن على غرار: «أجل، ولكن». يفكر الموظف الأميركي العام من المستوى المتوسط، وفي كثير من الأحيان، بما سيحصل عليه أو يكسبه من منصبه أو وظيفته، مع نظرة فاحصة ومتسلقة للدرجة التالية من السلم الوظيفي التي يبغي الوصول إليها. وقد يكون فريق ترمب الرئاسي مختلفًا من حيث الشريحة العمرية لأعضائه. فهم أكبر بمقدار ست سنوات على الأقل من أعضاء الإدارات الأميركية الثلاث السابقة عليهم كافة، مع حقيقة مفادها أن معظم أعضاء الفريق الجديد لا تنقصهم المناصب السياسية المرموقة الحالية. إلى جانب عامل مهم آخر، وهو الثروات الشخصية الهائلة التي يتمتع بها أعضاء الفريق الجديد الذي يضم بين جنباته الكثير من أصحاب المليارات. (لم يكن هناك أحد من أصحاب المليارات في إدارة أوباما، بل كان معظمهم من أصحاب الملايين فحسب). لكن ما الذي سيقوم به الفريق الرئاسي الجديد؟ على رغم عدم توافر إجابة واضحة وصريحة على هذا السؤال حتى الآن، فإن هناك مجموعة من المؤشرات التي تفيد بالاتجاهات التي ستتخذها السياسة الخارجية للولايات المتحدة على أدنى تقدير في بعض المجالات ذات الأهمية. اعتبر بعض المحللين، خصوصًا في أوروبا، أن شعار «أميركا أولاً» الذي رفعه دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية الرئاسية، قد يشير إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة قد تميل نحو انتهاج سبيل الإقصاء والانعزالية. وشعار «أميركا أولا» لدى ترمب ليس جديدًا، فلقد عرفه الشعب الأميركي من قبل في أواخر عقد الثلاثينات من القرن الماضي حين رفعه سياسيون وطنيون من أمثال هيوي بيرس، والأب تشارلز كافلين، والطيار تشارلز ليندبيرغ الذين كانت لديهم رؤية للمحافظة على الولايات المتحدة خارج آتون الحرب العالمية الثانية التي كانت تلوح في أفق السماء آنذاك. وفي هذه الأثناء، كان ذلك الشعار يعني سياسة فك الارتباط، أو حتى التجاهل الحميد، كلما أتيحت الظروف. لكن في عهد ترمب، فإن هذا الشعار بات يعني التفاعل والانخراط الفاعل بهدف تأمين الصفقات المفيدة لصالح الولايات المتحدة. كان الشعار في عقد الثلاثينات يعني بالفعل بث مشاعر «أميركا البعيدة». غير أن ترمب جاء بقراءة جديدة ومغايرة له تمامًا تتعلق أول ما تتعلق بأهمية الولايات المتحدة وصدارتها في مجالات المنافسة المباشرة مع الأمم الأخرى حول العالم. وتتشارك الغالبية العظمى من الفريق الرئاسي الجديد هذه المشاعر، فهم رجال ونساء يملكون خبرات كبيرة وعميقة في كل ما يتعلق بالعالم الخارجي إلى جانب إتقان الكثير من اللغات الأجنبية المختلفة. يأتي شعار «أميركا أولا» لدى ترمب مفعمًا بالكثير من مشاعر الاستياء الناشئة عن اعتقاد بأن الولايات المتحدة صارت محل «طمع» من الطامعين في الخارج من الأصدقاء والأعداء على حد سواء. يمكن للمواطن الأميركي العادي أن يكون بطل العالم في الصداقة والكرم، إلى درجة القتال والموت في ميادين الحروب البعيدة من أجل إنقاذ الأصدقاء والحلفاء. لكنه يصيبه الجنون بكل بساطة إن شعر بالاستغلال من الأصدقاء والحلفاء أنفسهم الذين اجتهد لإنقاذهم ومساعدتهم، وسيصب جام غضبه عليهم في الخفاء. تعهد ترمب، ولا نقول فقط تهديده، تمزيق الاتفاقيات التجارية الحالية هو أمر ناتج من هذا الغضب وهذا الشعور. ورغم ذلك، بمجرد أن يكون الأمر واضحًا بأن أسوأ الاتفاقيات التجارية تصب في مصلحة الولايات المتحدة، فإن شعار «أميركا أولاً» سيحمله إلى جهة مختلفة تمامًا. وما تبقى لنا أن ننتظره هو مقدرة الفريق الرئاسي الجديد على ترجمة الشعار البسيط، ولا نقول المبسط، ليكون العمود الفقري الراسخ لرؤية عالمية متماسكة وسياسة خارجية عملية وفعالة. وعلى عكس أوباما الذي اعتقد، أو تظاهر بالاعتقاد، أن شخصيته الساحرة المصطنعة وحسه الفكاهي اللطيف يمكنهما تحريك أكبر العقبات من طريق الولايات المتحدة، يشعر ترمب بأنه فور الجلوس على مائدة المفاوضات ليس هناك إلا طرف واحد يملك القوة في أي علاقة من طرفين. وأوضح هذه النقطة بإسهاب في كتابه المعنون «فن إبرام الصفقات»، وفيه ينصح باستخدام البلطجة والتهديد والخداع باعتبارها من الأدوات الفاعلة في أي مفاوضات. وفي رؤية ترمب للعالم، ليست هناك علامة مميزة لأي دولة، وحتى أقدم أصدقاء الولايات المتحدة ليس بإمكانهم انتظار التساهل التلقائي من الجانب الأميركي إن تصرفوا بطريقة غير ودية. ويمكن لأي دولة أن تكون حليفًا أو حتى صديقًا للولايات المتحدة، لكنها تتصرف بوصفها خصما أو حتى عدوا لأميركا في بعض المواقف المعينة وحيال بعض القضايا المعينة. وهناك مثالان واضحان في مخيلة ترمب. يتعلق الأول بحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي وصفه في وقت سابق بأنه حلف عفى عليه الزمن. ولا يعني ذلك أنه يريد أو يسعى إلى إلغاء الحلف برمته، بل إنه أوعز في الشهر الماضي إلى أنه يسعى فعليًا إلى تعزيز الحلف وتقويته. ولكنه سيصر بكل تأكيد على وفاء الحلفاء بالتزاماتهم من حيث المساهمات المالية وتخصيص الموارد اللازمة للحلف. أما المثال الثاني، فهو إبلاغ ترمب حلفاء الولايات المتحدة في اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان والدول العربية الصديقة، بألا ينتظروا أو يتوقعوا استمرار واشنطن في توفير خدماتها الشرطية والأمنية الرامية لحمايتهم على أساس المعادلة الحالية. ولكن هنا أيضًا قد تكون النتيجة تعزيز التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن حلفائها. تفيد الحكمة التقليدية بأن ترمب سينتهج نهجًا «لينًا» حيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجهوده لإظهار قوته في مجال نفوذ الإمبراطورية السوفياتية الفقيدة. ومع ذلك، فإن استراتيجية بوتين تهدف في المقام الأول إلى تعزيز صورته الشخصية بوصفه زعيما قوميا قويا وقادرا يقف في مواجهة الاستبداد الغربي. وقع أوباما في فخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن طريق الكلام القوي والأفعال الرخوة حيال زيادة تكاليف التوسع الروسي. ومن المرجح أن يقوم ترمب بعكس ذلك: فيهدئ نبرة الخطابات الساخنة حول بوتين، لكن مع التأكد أنه يسدد أقصى ثمن ممكن سداده لاستخدام استراتيجيات الغش والخداع. وهذا هو السبب في أن المكالمة الهاتفية المطولة، لمدة 30 دقيقة، بين ترمب وبوتين لم تتضمن أي إشارة تذكر إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية على روسيا. ومن شأن ترمب أن يعتمد هذا التكتيك أيضًا في تعامله مع طهران. فهناك، أيضًا، وصل الملالي إلى أقصى درجات الدعاية الممكنة من خلال الزعم بأنهم يقفون وحدهم في مواجهة «القوة العظمى الوحيدة في العالم»، بل ويحققون الانتصارات. وأغفلوا متعمدين حقيقة مفادها أن هذه «القوة العظمى الوحيدة في العالم» تجاوزت تحفظاتها المعتمدة من أجل نقل الأموال لسداد رواتب الأجهزة الأمنية الإيرانية، التي لا غنى عنها في تأمين أركان النظام هناك. في واقع الأمر، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني علنا بأنه من دون مساعدة الرئيس أوباما في سياق الاتفاق النووي المبرم بين الجانبين كانت إيران ستواجه النزيف الاقتصادي نفسه الذي تعانيه اليوم فنزويلا. وهناك الكثير من التكهنات في شأن نوايا ترمب لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وهي النقطة التي أشار إليها تيلرسون خلال جلسة الاستماع للموافقة على تنصيبه وزيرا للخارجية أمام مجلس الشيوخ الأميركي. ومع ذلك، قد لا يكون من الضروري اتخاذ مثل هذه الإجراءات القوية. بدلاً من ذلك، قد تتجه الإدارة الأميركية الجديدة إلى اتخاذ قرارين آخرين. أولهما، التوقف عن القيام بدور جماعة الضغط الخاصة بالملالي، كما كان يفعل أوباما ووزير خارجيته جون كيري. ومن شأن ذلك أن يبعث برسالة قوية إلى جميع أنحاء العالم بأن نظام الملالي في طهران لا يزال منبوذًا ومنعزلاً، وأمامه بالفعل طريق طويل قبل أن يتأهل للانضمام إلى المجتمع الدولي على النحو المقبول. أما القرار الآخر، فأن يتناول ترمب بعض الوصفات الدوائية الخاصة بالملالي كأن ينتهج أسلوب العمليات منخفضة الكثافة مع ممارسة الضغوط المرتفعة. ففي حقيقة الأمر، أعلن الجنرال فلين، مستشار الأمر القومي الجديد، متبوعًا في ذلك بتصريح من ترمب نفسه، أن إيران صارت الآن قيد المراقبة الدقيقة من جانب الولايات المتحدة؛ بما يعني أن كل خطوة تصدر عن النظام في طهران ستستلزم رد الفعل الذي تستحقه من جانب الإدارة الأميركية الجديدة، وهو ما ظهر في العقوبات التي أعلنت أمس. وهذا النهج هو على النقيض تمامًا من سياسة أوباما الذي تفاخر بإعلانه أن «الخيارات كافة مطروحة على الطاولة»، فيما كان يتعمد انتهاك القانون الدولي بمساعدة الملالي من أسفل الطاولة ذاتها. أما منطقة الشرق الأوسط، مع أهمية خاصة نحو العراق وسوريا واليمن، إضافة إلى إيران، فمن المرجح أن تحتل مكانًا بارزا على أجندة ترمب الاستراتيجية العالمية. ولدى إدارة ترمب معرفة جيدة ومباشرة بتلك المنطقة أكثر مما كان متوافرا للإدارة السابقة. فلقد كان الجنرال ماتيس، وزير الدفاع الأميركي الجديد، قائدًا لقوات التحالف في العراق، ويمتلك شبكة واسعة من الاتصالات في المؤسسة السياسية والعسكرية العراقية، إلى جانب شيوخ وزعماء العشائر وكبار رجال الدين البارزين هناك. كما أنه يتحدث القليل من اللغة العربية، ويزعم المقربون للغاية منه أنه يريد للعراق بالفعل أن ينجح في بناء ذاته كدولة ديمقراطية مستقلة وذات سيادة. ويمكن اعتبار الجنرالين كيلي وفلين من الخبراء المخضرمين في شؤون الشرق الأوسط، فهما زارا المنطقة مرارًا وتكرارًا، وخدما في مختلف المناصب العسكرية هناك منذ عقد التسعينات من القرن الماضي. وحقيقة أن ترمب استشهد بعبارة «التدمير الشامل» لتنظيم داعش الإرهابي، واعتبار ذلك من أهم الأولويات على أجندة سياسته الخارجية يضيف قدرًا كبيرًا من الأهمية إزاء مراجعة واشنطن لسياستها الخارجية نحو العراق. فالقضاء على «داعش» يستلزم اعتماد سياسة سورية تخالف التأملات المشوشة التي اعتمدها أوباما حيال القضية. وهنا أيضًا، فإن الحكمة التقليدية التي تزعم بأن ترمب سيفسح المجال تمامًا أمام بوتين كي يضطلع وحده بمسؤولية الملف السوري هي حكمة جدًا مضللة. فمن الناحية البراغماتية المحضة، التي قد لا تكون من قبيل السياسات السيئة، قد يكون من الجيد إبقاء روسيا تائهة في المستنقع السوري واستنزاف مواردها المحدودة من أجل الحفاظ على بشار الأسد في رئاسته لما تبقى من زوايا دمشق القديمة. ومع ذلك، فإن أهداف الإدارة الجديدة، وكما طرحها تيلرسون خلال جلسة استماع مجلس الشيوخ الأخيرة، تنطوي على هدفين رئيسيين، ولا تتسق على الدوام مع الرؤية الميكافيلية المذكورة. فهو حدد هدفين: خروج بشار الأسد من السلطة، وتدمير «داعش» تمامًا. والأهم من ذلك، ربما، هو إصرار تيلرسون على تزامن تحقيق الهدفين. وهذا يعني أن من غير المرجح أن تستمر واشنطن في اعتماد سياسة أوباما التي تقضي باستخدام الإمكانات العسكرية الأميركية فقط في سوريا لتعزيز قوات الأسد من خلال مهاجمة قوات المعارضة من غير تنظيم داعش. فشلت سياسة أوباما بسبب أن قادة الجيش الأميركي، ووزارة الدفاع الأميركية ككل، عارضوا العمل والتعاون مع الجانب الروسي في تحقيق الأهداف العسكرية في بادئ الأمر. ومن شأن ترمب أن يطرح صفقة جديدة يمكن من خلالها لواشنطن وموسكو أن يجمعا مواردهما في المنطقة لتدمير «داعش» بالكلية، مع ضمان اختفاء الأسد ونظامه من المشهد تمامًا هناك. ومثل هذه الشراكة من شأنها الحيلولة دون وراثة روسيا لسوريا المدمرة عن آخرها، التي لن تتمكن بمفردها أبدا من إعادة إعمارها. ووفقًا للمصادر المطلعة في واشنطن، فإن الإدارة الأميركية الجديدة بدأت تستعد بالفعل في التخطيط لمساعدة القوى الديمقراطية المحلية في لبنان، حيث من المعروف عن الرئيس اللبناني الجديد العماد ميشال عون، على رغم موالاته طهران، مقدرته كذلك على تغيير مسار الأمور عندما يكون الأمر لازمًا. ويرجع الفضل إلى الجنرال فلين، الخبير المخضرم في الشؤون التركية، في عودة العلاقات بين واشنطن وأنقرة. وهناك، فإن تطوير التوازن بين الدعم الأميركي التقليدي لحقوق المواطنين الأكراد إلى جانب الرغبة في تعزيز الموقف تركيا باعتبارها عضوًا بارزًا من أعضاء حلف شمال الأطلسي قد يكون من الأمور العصية على التحقيق، لكنه غير مستحيل بحال. وحقيقة أن إيران باتت الخصم الأوحد للولايات المتحدة في المنطقة يعني أيضًا التواجد الأميركي الكبير في اليمن، حيث بدأت قوات المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران في التشتت وانتهاج سبل الفوضى. وضخ الدعم الإيراني الكبير لا يزال يحول بين وقوع الهزيمة الكاملة للمتمردين الحوثيين وحلفائهم، خلال الوقت الراهن على أدنى تقدير. وهدف إدارة الرئيس ترمب هو أن تدرك طهران الكلفة الحقيقية لمثل هذه المغامرة في اليمن. ومع هذا الإدراك قد يقتنع المخططون الاستراتيجيون في طهران بمراجعة سياساتهم التي لا تقودهم إلى تحقيق أهداف واضحة ومعلومة. ومن خلال هذا الأسلوب بصفته صانعا للصفقات، قد ينجح ترمب أيضًا في إدراج روسيا بوصفها لاعبا مشاركا في كبح جماح الطموحات الصينية المتنامية في الشرق الأقصى وسيبيريا. يملك الفريق الرئاسي الجديد ميزة الارتباط المشترك من حيث مجموعة الأفكار المطروحة، والتي، رغم قابليتها للنقاش، يمكن أن توفر للولايات المتحدة اتجاه التحرك الواضح، وإنهاء ثماني سنوات من المسارات المتعرجة بلا دفة أو هدف في عهد الرئيس أوباما. يعتقد الفريق الأميركي الجديد أن أعداء الولايات المتحدة يملكون القليل من القوة، لكنهم يستخدمونها بأسرها ضد الولايات المتحدة، في حين أن بلادهم تملك الكثير من القوة، لكنها كانت تخشى استخدام حتى الجانب الضئيل منها في مواجهة خصومها. ويزعم الفريق الرئاسي الجديد أن هدفه الأول هو التأكد من أن يغير الخوف من موقعه، وأن يفر الجبن إلى خصوم الولايات المتحدة. كيف سيمكن للفريق الجديد، على نحو جيد أو سيئ، تحقيق هذا الهدف؟ ما زال علينا أن ننتظر لنرى.