انتهى مقالي السابق (لماذا يقتل التعليم الإبداع) ولـم أخبركم بكافة الأسباب.. أسباب قتل المدرسة للإبداع والموهبة وروح المبادرة لدى الطلاب. وأول سؤال يتبادر للذهن هو: كيف تقتل المدرسة الإبداع وهي المسؤولة عن محو الأمية وتعليم الأطفال القراءة والكتابة والمهارات الأساسية؟ .. من المهم أولاً التفريق بين التعليم والمعـرفة.. بين إتقان المهارات الأساسية، وقولبة العقول واحتكار المعرفة الذي تمارسه المدرسة... أنا شخصيا أعرف أسبابا كثيرة تؤكد خطورة الدور السلبي للمدارس الحالية.. ولكن؛ بما أنني أملك مساحة محدودة للمقال سأخبركم بسرعة عن أبرز هذه السلبيات.. ثم الحل في نظري باختصار: أولا: من ناحية الكم؛ قارن كم كتابا يدرسها ابنك في المدرسة، وكم كتابا تؤلف وتنشر خارج المدرسة.. لاحظ كيف تُـفرض عليه (رغم محدوديتها) كأفكار إلزامية ونهائية، في حين تترك له الكتب اللامنهجية فرصة التوسع والاطلاع على آخر المستجدات المعرفية... الحل يكمن في وجـود فصول حرة داخل كل مدرسة، وتخصيص 80% من اليوم الدراسي للاطلاع والقراءة والبحث في المكتبات الافتراضية العالمية.. ثانيا: مدارس اليوم لا تعلم الإبداع وطرق البحث والتفكير (بل وتمنع الخروج عما يٌدرس فيها).. الأطفال مبدعون بطبيعتهم ولا يخشون السؤال وارتكاب الأخطاء، ولكن المدرسة تطمس هذه الموهبة بالتدريج (وتعلمهم أن الخطأ يعني الرسوب والأسئلة المحرجة تعني التمرد على المنهج).. والحل يكمن في تدريس مناهج البحث والتفكير، ومنح الطلاب حرية السؤال والإبتكار والإضافة للمعرفة ذاتها.. ثالثا: علم النفس الحديث يخبرنا بوجود ستة أوجه للذكاء.. ومع هذا تحبس المدرسة جميع الطلاب في غرفة واحدة ثم تخـتبر الجميع اعتمادا على نوع واحد من الذكاء (ولهذا السبب كان يبدو عباقرة مثل أديسون ونـيـوتن وأينشتاين أغبياء ومتخلفين دراسيا)!! الحل يكمن في تجميع الطلاب في وحدات صغيرة تشترك في الموهبة ودرجة الذكاء والسماح لكل مجموعة بالانطلاق في مجالها الخاص.. ثم اختبارها على هذا الأساس... رابعا: في معظم الأنظمة التعليمية تأتي الرياضيات والعلوم على رأس الهرم المنهجي، يليها الانسانيات، ثم الآداب ثم الفنون (في حين تأتي الدروس الدينية لدينا قبل الجميع).. وهذا الترتيب يناسب تخريج العلماء والمهندسين (والثاني تخريج المشائخ ورجال الدين) ولكن ماذا عن بقية التخصصات؟ الحل يكمن في إلغاء الترتيب الإلزامي في المناهج والسماح لكل طالب باختيار التركيبة الدراسية التي توافق ميوله ومواهبه ووظيفته المستقبلية... خامسا: والحقيقة هي أن الأنظمة الحالية مصممه لنيل وظيفة متخصصة بعد الجامعة (طبيب، مهندس، محاسب) في حين لا يوجد نظام تعليمي يخلق التخصصات ذاتها أو يشجع الطلاب على تحويل مواهبهم لمشاريع خاصة.. والنتيجة أن حتى التخصص الجامعي لم يعد اليوم يضمن لأحد الوظيفة (كالماضي) وأصبح لزاما عليه الحصول على الماجستير والدكتوراه لنيل وظيفة كان ينالها سابقا حملة الدبلوم.. والحل يكمن في تفعـيل المواهب وتعليم الطلاب كيفية خلق وظائفهم ومشاريعهم الخاصة... وأخيرا؛ لاحظ معـي أن النظم التعليمية الحديثة وُضعت في القرن التاسع عشر وتعـليمنا الوطني يستمد أساسياته من الماضي.. والمشكلة هنا أن من ولدوا هذا العام سيتقاعدون عـام2077، وما يتعلمونه هذه الأيام لا يؤهلهم للمستجدات والوظائف التي ستظهر بعد عشرين عام.. ..وصدقوني هذه مجرد أمثلة ..والمبدع من نجا من سطوة التعليم الرسمي...