منذ فترة حذر الأمين العام للمجلس الأوروبي "سوربيون ياغلاند" من أن الديمقراطية الأوروبية بتصاعد المد الشعبوي واليميني القومي في أوروبا وهو ما يضع القارة الأوروبية بكاملها في خطر. على هذا المنحى في كلمته بالبوند ستاج الألماني لوزير الخارجيه "زيجمر جابرييل" من أن نتيجة الانتخابات الرئاسيه الفرنسية ستحدد مصير وقدر الاتحاد الأوروبي؟ تلاه رئيس وزراء إسبانيا "ماريانو راخوي" من انزعاج وتخوف بما ستنتج عنه الانتخابات الفرنسية، راخوي أمام وضع صعب أيضًا يتمثل في سعي أكبر مقاطعة كتالونيا الغنية في الانفصال. في هذا الصدد أتي مؤتمر الأحزاب القومية والشعبوية الأوروبية– عقب تنصيب الرئيس الأمريكي ترامب- في 21 يناير الماضي ببرلين بهدف تشكيل جبهه مضادة وللتنسيق المشترك قبل الانتخابات البرلمانيه بهولندا في مارس المقبل، الانتخابات الرئاسية بفرنسا في أبريل ومايو، ثم الانتخابات البرلمانية للبوند استاج الألماني بشهر سبتمبر القادم. المؤتمر نظم من قبل الكتلة الأوروبية للأمم والحريات بالبرلمان الأوروبي المؤسسة من عام 2015 والتي تضم في صفوفها نواب الأحزاب القومية والأوروبية الشعبوية. التنسيق على أرضية برامج مشتركه تصب محاورها وخطوطها الأساسيه في رفض الهجرة ومعاداة الإسلام (على خلفية العمليات الإرهابية بعواصم ومدن أوروبية) مع رفض كامل للنخب الأوروبية الحالية، وفي المقدمه رفض وضع نموذج الاتحاد الأوروبي بصيغته مع مقاومة متصاعدة للعولمة. الأحزاب الرئيسيه المشاركة بالمؤتمر والتي ستلعب الدور الرئيسي بهذه الانتخابات حزب الجبهة الشعبية التي تتزعمها ماري لوبان بفرنسا، وحزب البديل لألمانيا الذي يتزعمه "فراكوي بيتري، وحزب الحريه الهولندي بزعامة "خيرت فليدرز". من الشاهد أن الاستفتاء علي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ونتيجته قد أدت لدفعة قوية لليمين الشعبوي الأوروبي بأطروحاته التي تجد تربة خصبة من الناخبين الغاضبين من النخب وسياسات النيوليبرالية وعولمتها، بل إن فوز الرئيس الأمريكي ترامب وخطابه الشعبوي وسياساته المتبعة لاحقًا فيما يتعلق بالهجرة والاقتصاد والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي والناتو قد أسهمت بفعالية في تعاظم شعبية هذه الأحزاب. فحزب الجبهة الشعبية ومرشحته ماري لوبان، والتي تتوقع كثير من استطلاعات الرأي وصولها لجولة الإعادة في شهر مايو، ففرصتها سانحة في خوض حملة معادية للاتحاد الأوروبي بوضعه الحالي وطرح برنامج حزبها الانتخابي الذي يطالب باستفتاء شعبي أوروبي على قبول عضوية جديدة بالاتحاد الأوروبي خلافا لإستيراتيجية حزبها التي تنادي باتحاد يضم فرنسا وألمانيا وروسيا لقيادة العالم. لوبان التي نجحت في انتخابات عام 2014 بالحصول علي نسبة 25% من أصوات الناخبين، فهي تطالب بعودة الفرنك الفرنسي، والخروج من عضوية الناتو، مع تعديلات جريه بقانون الجنسيه الفرنسية. أما حزب البديل لألمانيا الذي يعلن صراحة معاداته للسامية وللمهاجرين عبر خطابه الإعلامي الذي يتهم فيه النخبة بفتح أبواب البلاد على مصراعيها مما تسبب في وجود مليون لاجئ ومهاجر علي الأراضي الألمانية، هذا الحزب نجح في إقصاء حزب المستشارة ميركل الحزب الديمقراطي في انتخابات مقاطعة ميلكنبورغ سبتمبر 2016 بفوزه بنسبة 21% من أصوات الناخبين ،قبلها بانتخابات 2012 في الفوز بنتائج 3 مقاطعات ألمانية. وتأتي أهمية حزب الحرية االهولندي، فبرغم مرور 10 سنوات فقط على تأسيسه فقد استطاع الحزب الحصول بانتخابات 2010 على 24 مقعدا من أصل إجمالي 150 مقعدا، مما جعله ثالث كتله برلمانية، هذا مع تمثيله في البرلمان الأوروبي بعدد 5 نواب. ويحظى بشعبية مهولة علي مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن توقعات استطلاعات الرأي العام تشير إلى حصوله على ما بين 24 إلي 29 مقعدا بانتخابات مارس القادم . تلك هي الصورة والنتيجة لممارسات النخب الأوروبية وسياساتها النيوليبرالية التي أدت لإفقار جيوش من البطالة وبخاصة وسط الشباب. مع فتحها الباب للمهاجرين من أيدي عاملة رخيصة التي يحتاجها سوق العمل الأوروبي سنويا بعدد 12 مليون نظرا للشيخوخة، وارتفاع نسب الوفيات مقارنة بالمواليد، هي روشتة العولمة.