النسخة: الورقية - دولي لا بد من ان معظمكم، في أي مدينة في اي بلد عربي، ضغط على زر جهاز التحكم عن بعد، للانتقال الى محطة اخرى كلما ظهرت على شاشة التلفزيون امامه صور القمة العربية خلال يومي انعقادها في الكويت، لا لنقص في وطنيته او اهتمامه بالسياسة وبما يجري من حوله، ولا لشعور بعدم الانتماء الى العالم العربي الأوسع، بل لأنه سئم كل هذا الكلام غير المجدي الذي يتكرر كل عام عن «العمل العربي المشترك» و «ضرورة حل الخلافات» والفقرات الفصيحة التي تدبّج بعد كل لقاء عربي ولا يؤمن بها حتى اولئك الذين صاغوها، فكيف بالذين خبروا بالملموس على مدى عقود انها لا تساوي الحبر الذي كتبت به. صارت مؤتمرات القمة العربية اشبه بالمهرجانات الفولكلورية اللبنانية، حيث يتبادل ابطال المسرحية وهم يشبكون اياديهم في الدبكة الشهيرة، المدائح والابتسامات والعناق، ويرشقون المشاهدين بعبارات الأخوة والمحبة والتصالح، ويغرقونهم في التفاؤل بالحاضر والمستقبل ويقنعونهم بقدرتهم السحرية على تجاوز الأحقاد التي تكبلهم وتشدهم الى وراء، ثم لا يلبث هؤلاء ان يعودوا الى حياتهم اليومية ليكتشفوا زيف الساعات القليلة التي امضوها يحلمون بأن الواقع ربما يتغير الى الافضل، وليعاودوا العيش في واقع الانقسام الطائفي والقبلي والعائلي والمذهبي والطبقي الذي ينغص حياتهم وحياة اولادهم بعدما افسد عيشة آبائهم وأجدادهم من قبل وسيفسد حياة احفادهم لاحقاً. ومع ان لا احد كان يتوقع من قمة الكويت، او اي قمة عربية سابقة او لاحقة، ان تجترح المعجزات وتتمكن من الاتفاق على حلول حتى لأبسط مشكلات العالم العربي، او ان تتمكن اذا ما وجدت صيغة حل لمشكلة ما، من تطبيقها وإلزام الاطراف بها، الا ان احداً ايضاً لم يكن يتوقع ان تتراجع هذه القمة عن «الانجازات» التي سبقتها في الدوحة، بامتناعها عن منح المعارضين السوريين مقعد سورية بسبب معارضة بعض الدول وفي مقدمها العراق والجزائر، وبسبب حرص الدولة المضيفة على عدم انفراطها والحفاظ على الحد الادنى من «التضامن». اما الفقرة الخاصة بالوضع السوري الكارثي في البيان الختامي، فتُظهر الدول العربية وكأنها تتحدث عن قضية لا علاقة لها بها، نافضة عن كاهلها مسؤوليتها المشتركة في وقف دوامة القتل والتدمير، ومكتفية بدعوة النظام السوري (!) الذي تشكو منه الى «وقف جميع الاعمال العسكرية ضد المواطنين السوريين ووضع حد نهائي لسفك الدماء وإزهاق الارواح»، علماً ان بعضها تذرع بنتائج هذا النشاط العسكري للحيلولة دون جلوس ممثلي المعارضة في مقعد بلادهم. ولم تنس الدول العربية بالطبع ان تعلن عزمها على «ارساء افضل العلاقات» بينها وعلى «جسر الهوة بين الآراء المتباينة... على قاعدة التضامن»، وهي الفقرة ذاتها المنقولة ببعض التصرف من مقررات القمة السابقة، وما قبلها، وما قبل قبلها. فإذا كان العرب حريصين على حل خلافاتهم، فلماذا لم يقدموا على ذلك طوال الاعوام المنصرمة التي كرروا فيها اقتناعهم بأهمية تقاربهم، ولماذا نجد ان خلافاتهم تتزايد عاماً بعد عام وتصبح معالجتها اكثر صعوبة؟ انه المهرجان الفولكلوري العربي يتكرر كل سنة، على رغم تغيّر بعض المؤدين وبعض الفقرات. وكل قمة وأنتم بخير.